في العودة إلى التاريخ وقراءة الصراع في شرق اوروبا والصراع القائم والدائم، نرى التشابه فيما بين شرق أوروبا وغرب آسيا فهاتين المنطقتين أساسيتين للدخول والسيطرة على أوراسيا، وعمق آسيا ومع أن منطقة شرق أوروبا خفت وهج الصراع فيها منذ سقوط الإتحاد السوفياتي والترهل الجيوسياسي الروسي في فترة غورباتشوف ـ يلتسن، إلا أنه مع مجيء الرئيس بوتين وإعادة تشكيل الجيوبوليتيك الروسي ونظرية “الأوراسية الجديدة” للعالم الروسي ألكسندر دوغين، طفت مجددا حالة الصراع الدولي إلى العلن ففي تصريح ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عامين من تولّيه الحكم حينما قال: “نحن قوةٌ عالمية، ليس بسبب أنّنا نمتلك قوةً عسكريةً عُظمى وقوةً اقتصاديةً مُحتملة، ولكن نحن كذلك لأسبابٍ جغرافيةٍ، سوف نظلّ موجودين مادّيًّا في أوروبا، وآسيا، في الشمال والجنوب، كما لنا في كلّ مكانٍ بعض من الاهتمامات والمخاوف” .
ومع تمظهر الفكر الأوراسي الجديد سرعت الولايات المتحدة تمدد حلف الناتو الى شرق أوروبا ليضم معظم الدول التي كانت ضمن الإتحاد السوفياتي، لإعتبار أن الأوراسية الجديدة هي الخطر الداهم على أوروبا بعدما تم الإنتهاء من الإتحاد السوفياتي، وعند وصول الموضوع إلى أوكرانيا وقلب النظام فيها لصالح الناتو بالثوره الملونة، فأوكرانيا كانت من كبريات الجمهوريات السوفياتية مع عدد سكان كبير وإحدى ورثة التصنيع العسكري السوفياتي، وفي موقعها الذي يشكل التهديد الأكبر لروسيا من ناحية شرق أوروبا، هذا ما جعل روسيا تسارع للإلتفاف على هذا التهديد وإيقافه بداية في جورجيا ثم في القرم ودونيتسك ودونباس لوقف تمدد الناتو أكثر بإتجاه الحدود الروسيه فموسكو العاصمة قبل إنهيار الإتحاد السوفياتي كانت تبعد عن الحدود الغربية حيث مصدر التهديد مئات الكيلومترات قد أصبحت اليوم على بعد 200 كلم من منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية التي طوقتها من استونيا إلى كازاخستان.
إن الخط الممتد من شرق أوروبا إلى غرب آسيا قد أصبح شبه متوحد بحالة من الصراع بين القوى الشرقية الآسيوية الصاعدة والقوى الغربية، فهذا المقفز القاري الذي أعتمدت عليه الأطلسية في سيطرتها وحصارها لروسيا وإيران وقطع الطريق على تمدد الإقتصاد الصيني وصل اليوم إلى طريق مسدود بحيث بدأ قرع طبول الحرب على طول هذا الخط من أوكرانيا مرورا بالبحر الأسود وصولا الى باب المندب، إن تمدد الأطلسية وقوتها وصل إلى الحد الأقصى، ومجرد التراجع يعني بداية الخسائر، فالإحتكاك في شرق أوروبا وأوكرانيا على حافة العسكرة، ومعارك غرب آسيا من سوريا إلى اليمن قائمة على قدم وساق، والتقدم الإقتصادي الصيني والآسيوي بدأ يحتل الحيز الجغرافي الأكبر ليملىء الفراغ الذي سينتج عن تراجع الأطلسية.
في المقاربة التاريخية على هذا الخط عندما وجه الأمبراطور الفرنسي نابليون وكان في أوج قوته حملاته العسكرية الى بلاد الشام وهزم على أسوار عكا 1799، والحملة الثانية عندما هاجم روسيا وهزمه صقيعها وثم دمر جيشه فيما بعد في معركة واترلو عام1815
ذلك التاريخ والأحداث تشبه تاريخ اليوم وأحداثه ونابليون يشبه حلف الناتو والأطلسية الأمريكية والخسائر الحربية التي تعرضوا لها على أبواب غرب آسيا تشبه هزيمته على أبواب عكا، وأحداث أوكرانيا وشرق أوروبا تشبه ما حصل قبل معركة واترلو.
ففي القادم من الأيام يبقى السؤال من سيربح ومن سيخسر على خط الصراع الممتد من واترلو إلى عكا ؟؟؟ والجواب الأكيد لن يكون نابليون