مصر و … أبرهة الحبشي
نبيه البرجي-الديار
الحديث عن أحوال المنطقة كما لو أنه الحديث عن أحوال ما وراء العالم . تماماً كما رأى فيها برنارد لويس متاهة لاهوتية، أو عربة قديمة تجرها آلهة مجنونة!
الدافع الى هذا الكلام ما فاجأني به ديبلوماسي مصري ضليع في الشؤون الأفريقية.
سألته ماذا يمكن أن تفعل بلاده اذا ما بقي آبي أحمد على موقفه حول ملء المرحلة الثانية من سد النهضة دون الاتفاق مع بلدي المصب.
المفاجأة في المدى الذي تستوطن فيه الخرافة رؤوس البعض من الساسة، والأكاديميين، الأثيوبييين، الذين يدعون الى «أثيوبيا الكبرى» التي تمتد من جبل أبونا يوسف في أثيوبيا الى جبل النبي شعيب في اليمن.
هذه مملكة أبرهة (ابراهيم) الحبشي الذي غزا اليمن والحجاز، وأقام في صنعاء كنيسة ضخمة تكون بمثابة الكعبة الأخرى التي يطوف حولها مسيحيو العالم.
أبرهة، وتبعاً لـ «الميتولوجيا الأثيوبية»، كان يحمل أيضاً وعداً الهياً نطق به ابراهيم، وعلى شاكلة الوعد الذي أعطي لبني اسرائيل. من البديهي أن نسأل، ما دام هناك من يفاخر بـ»ميثاق ابراهيم»، لماذا لم ينطق ابراهيم بوعد مماثل الى العرب الغرباء حتى في أرضهم ؟
حتى اللحظة لم نر القاهرة، وهي تدور داخل المأزق، تدعو الى قمة عربية للبحث في ما يمكن أن يقدمه العرب، ديبلوماسياً وربما عسكرياً، الى مصر، فضلاً عن ضبط الطموحات الجيوستراتيجية لآبي أحمد الذي يريد، من خلال التعبئة القومية، اقامة «دولة عظمى» على كتفي النيل. القاهرة تعلم تماماً من هم العرب، وأين هم العرب. هل يقطع هذا الطريق على سؤالنا : أين هي مصر ؟!
«الدولة العظمى» اذ تتحكم بالوادي، تتمدد نحو الداخل الأفريقي بعدما تستكمل الخطوة الأولى بانشاء منظومة اقليمية تضم كلاً من أريتريا والصومال وجيبوتي، ما يؤمن لها أكثر من ثغر على البحر الأحمر.
الديبلوماسي المصري عرّج على موضوع الفالاشا الذين كانوا يقيمون في أكواخ بدائية، وكانوا يبنون الكنيس بالقش، ويزينونه بقطع نحاسية ترمز الى نجمة داود.
هؤلاء الذين يعتقدون أنهم الورثة الحقيقيون لمملكة يهوذا كونهم السبط اليهودي الثاني عشر (المفقود) لديهم أنشودة تخاطب موسى الذي يشق الأرض، هذه المرة، بعصاه لكي يصلوا الى البحر الأحمر. ربما ليكونوا على مقربة من أرض الميعاد.
ماذا في الرأس المصري؟ نسأل كوننا الضنينين بمصر، وبأهل مصر التي لم نعد نعلم أين موقعها في المعادلات الاقليمية، وان كانت مشكلاتها الداخلية، وهي مشكلات بنيوية، وتتعلق بالتآكل الدراماتيكي في الكثير من مفاصل الدولة (لاحظوا حوادث القطارات)، تشغل بال القيمين على السلطة فيها.
منذ ايام الأمبراطور هيلاسيلاسي، ومصر تتعامل مع أثيوبيا بمنتهى الود. ما يستشف من وسائل الاعلام المصرية ألا اعتراض على أن يستثمر الأثيوبيون مواردهم المائية في مشاريع الانماء الاقتصادي، والانماء الانساني، ولكن دون الاستئثار بأكثر من 85 % من مياه النيل، ودون أي اعتبار للمصالح الحيوية للبلدان المشاطئة.
في هذا السياق، لا بد من التساؤل : أين كان المصريون وأين كان السودانيون حين كانت أديس أبابا تنشط لدى المؤسسات المالية العالمية، ولدى الدول الثرية، لتمويل بناء سد النهضة بتفاصيل بنائه المعروفة للملأ ؟
كعرب اما أننا استسغنا ظاهرة الغيبوبة أو أننا منهمكون في مشكلاتنا الآنية . لا رؤية استراتيجية على الاطلاق. المصريون والسودانيون هم الذين يقولون الآن ان السد يشكل خطراً وجودياً عليهم، ودون أن يجدوا من حائط مبكى سوى مجلس الأمن في نيويورك…
الخيار العسكري دونه عوائق، ربما تكون عوائق كارثية سواء بارسال مئات الدبابات، وعلى مئات الكيلومترات، ما يحتاج الى امكانات لوجيستية وعملانية جبارة، أو بالغارات الجوية التي لن يكون لها أي أثر الا اذا كان جو بايدن، وكما وعد دونالد ترامب، جاهز لتزويد مصر بـ» ام القنابل» التي تمت تجربتها في أحد أودية أفغانستان والتي يمكن أن تحوّل السد الى خراب. تالياً، الطوفان الذي قد يغرق أجزاء هائلة من السودان.
المثير هنا أن القيادة الأثيوبية لا ترى في مواقف القاهرة والخرطوم أكثر من فقاعة، وتنطفئ…