اروى الوقيان
لم تكن فرح حمزة الضحية الأولى وليست الأخيرة بالتأكيد من ضحايا جرائم قتل النساء. هذه المرة لم تكن قضية “شرف” كما يتم الادعاء دوماً لتبرير القتل، بل قضية انتقام نفذه شخص حاول الشروع بقتل ضحيته سابقاً، وتم التبليغ عنه من دون أن تحرك السلطات ساكناً.
فرح كان سبق ان رفعت قضية ضد الجاني وناشدت السلطات مراراً حمايتها من الاعتداءات والمضايقات فألقي القبض عليه قبل خمسة أشهر ثم خرج بكفالة مالية، لكنه عاد وانتقم منها وقتلها أمام أسرتها.
حذرت أخت الضحية، و هي محامية، وكيل النيابة من أن إطلاق سراح المجرم قد يؤذيها ولكنه لم يستجب لتحذيرها، و في النهاية قتل أختها انتقاماً منها.
انتشر في “تويتر” الكويتي والعربي وسم #جريمة_ صباح_السالم، وهي المنطقة التي قتلت فيها فرح في وضح نهار رمضاني. تم خطفها من سيارة أختها ليشبعها القاتل طعناً، ويبيّن الفيديو القاتل يتمشى بكل ثقة، فيما الأخت تصرخ قهراً من تخاذل السلطات عن حمايتها وتنفيذ المجرم المقتلة بدم بارد.
هذا النوع من التساهل الذي تمارسه السلطات المسؤولة عن حمايتنا يجعلنا نخاف من أن نصبح الضحية التالية في ظل هذا التهاون مع قتلة النساء في بلدي، وهذا القتل بات أكثر من جريمة فردية، أصبح ظاهرة متكررة.
أنا عن نفسي تقدمت بشكوى ضد شخص كان يتتبع أخباري ويحضر في كل مكان أقدم فيه دورة أو أوقع كتاباً ويتعمد مضايقتي أمام الناس، وحين شتمني في رسالة خاصه في “تويتر” وادّعيت ضده، ضاعت الشكوى 6 مرات، حتى تحوّلت أخيراً إلى القضاء. وحين صادفني في أحد الأماكن العامة شتمني وبصق علي ولما اشتكيت خذلتني السلطات وأجبرتني على عدم الاستمرار بالشكوى، بذريعة عدم وجود أدلة.
في جريمة قتل فرح بدا القاتل في الفيديو واثقاً من قدرته وجبروته في ممارسة الجريمة علناً، لأنه ببساطة لم يواجه أي رادع، وهو أمر مرعب حقاً في بلد يعتبر مركزاً للعمل الإنساني عالمياً، في حين أخاف على حياتي من أي شخص يمكن أن يقتلني، مقابل عقوبة مخففة ليخرج طليقاً، ويقتل امرأة أخرى ويصبح بطلاً في عيون غيره من المجرمين.
امتلأت غرف “كلوب هاوس” بقصص فتيات تعرضن للتحرش من رجال في عائلاتهن أو من مهووس أو طليق، وجميع القصص تجتمع على تخاذل السلطات في إنصافهن، ومن المتعارف عليه في الكويت أن دخول الفتاة إلى مخفر الشرطة من التابوهات الكبيرة، لذا أولئك اللاتي لجأن إلى الشرطة ضربن هذا الخوف بعرض الحائط، ولكن من دون جدوى، إذ تعرضن أحياناً كثيرة للإهانة والتشكيك واستهزاء المحقق!
لمن نلجأ حين نتعرض للتهديد والتعنيف؟ هذا السؤال عادت كثيرات إلى طرحه مع مقتل فرح، وطالبت بعضن بتشريع حمل السلاح لضمان الحماية الشخصية وأكدت أخريات أهمية وجود كاميرا في السيارة لتسجيل وقائع أي تحرش.
الثابت الوحيد حتى الآن أن لا قوانين تنصف المرأة حين تتعرض للتحرش أو التهديد، ولم يتم تطبيق عقوبة رادعة على أي مجرم قتل فتاة، إذ يطلق سراحهم بعد بضع سنوات ببساطة تامة.
ناهيك عن البعض الذين يعتبرون أي ذكر يقتل فتاة بطلاً حافظ على “شرفه”، أحياناً من دون معرفة تفاصيل القصة أساساً.
نشر مفهوم القتل ومنحه صورة مقدسة من أهم أسباب انتشاره حتى اليوم.
قد أكون أوفر حظاً من غيري كوني نشأت في بيئة منفتحة تسمح لي بالتعبير عن رأيي مع أب وإخوة يقدرون أهمية المرأة، لكن هذا لا يجعلني في مكان آمن حين يقوم غريب بتهديدي والاعتداء علي علناً من دون أن تحميني الدولة، فما بالك بالنساء الأقل حظا اللاتي نشأن في بيئة تعطي الرجل سلطة كاملة على النساء ومصائرهن؟
قد تكونين أنت أو أنا أو هي الضحية التالية، ولا نملك إزاء ذلك سوى أصواتنا، لعلّ السلطات ووسائل الإعلام تسمعنا، ويتم الضغط على نواب مجلس الأمة الذين لم يحركوا ساكناً حتى اليوم في أي قضية قتل امرأة بسبب انشغالهم بكل شيء، ما عدا قضايا نساء في الكويت.