تواطؤ واضح الملامح من السلطتين الفلسطينية والأردنية على أهالي الحي المقدسي.. ما يجري في الشيخ جراح جريمة حرب وتطهير عرقي خطير.
قالت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إن ما يجري في مدينة القدس وتحديدا بحي الشيخ جراح، ما هو إلا جريمة حرب وتطهير عرقي خطير في سلسلة الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود.
وحذرت الأمانة العامة، في بيان لها، اليوم الخميس، من دعوات وتحريض عصابات المستوطنين للتجمهر في البلدة القديمة بالقدس المحتلة لمهاجمة المقدسيين والمصلين والاعتداء عليهم في هذا الشهر الفضيل، استمرارا لاستهداف حرمة المسجد الأقصى المبارك .
وطالبت المجتمع الدولي بالوقوف أمام مسؤولياته لوضع حد وفوري لهذا العدوان بحق الشعب الفلسطيني ومدينة القدس، والتصدي لجرائم الاقتلاع والترحيل القسري، بصورة سريعة وحاسمة تقتضيها خطورة الجرائم المرتكبة.
كما طالبت المجتمع الدولي ومؤسساته بإعمال قواعد القانون الدولي وضمان توفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني ضد جرائم الحرب الذي تقترفها “إسرائيل” وإجبارها على وقف هذه الجرائم ومساءلتها ومحاسبتها عليها، خاصة أن الإفلات الدائم من العقاب والمساءلة هو تشجيع لكي يواصل الاحتلال جرائمه، بكل ما يرتبه ذلك من تداعيات وانعكاسات على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويقف نحو خمسمئة فلسطيني يقطنون 28 منزلاً على مرمى حجر من نكبة جديدة في حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلّة إذ أصدرت محكمة العدو قرارات بإخلاء المنازل من أصحابها الأصليين لمصلحة مستوطنين وجمعيات إسرائيلية استولت زوراً وبالخديعة على 18 دونماً.
ومع أن المقدسيين يعوّلون على الأردن لإنقاذهم بوثائق أصلية تُثبت حقهم في الأرض، تقول المملكة إنها سلّمت ما بحوزتها من وثائق، فيما تؤكد السلطة أنها تنتظر وثائق متبقّية.
28 منزلاً فلسطينياً مهدَّدة الآن بالتهجير والإخلاء في حيّ الشيخ جرّاح في القدس المحتلة لمصلحة مستوطنين، عقب قرار محكمة إسرائيلية إمهال الفلسطينيين حتى الثاني من أيار/ مايو المقبل للرحيل، ورفضها طلبات الاستئناف الفلسطينية كافة بذريعة وجود وثائق بحوزة الجمعيات الاستيطانية تثبت أن تسجيل الأرض يعود إليها.
تعود بداية هذه المأساة إلى النكبة الفلسطينية عام 1948، حين هُجّر المئات من قاطني الحيّ قسراً إلى القدس المحتلّة، لتلي ذلك محطّة ثانية عام 1956، وفق نبيل سعيد الكرد، وهو أحد أصحاب المنازل المهدَّدة.
آنذاك، استقرّ أصحاب المنازل في الشيخ جرّاح بناءً على اتفاقات تأجير بينهم وبين وزارة الإرشاد والتعمير الأردنية و”وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (الأونروا)، قضت بأن يقطن المهجَّرون في الحيّ ثلاث سنوات مقابل خمسين فلساً أردنياً كلّ سنة، على أن يتخلّوا عن حقهم في مساعدات “الأونروا”، ثمّ يجري تطويب كلّ بيت وإثبات ملكيته عبر الحكومة الأردنية بعد انقضاء مدّة الاتفاقات.
انتهى الحكم الأردني للأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها مناطق في القدس ومنها الشيخ جرّاح، ولم تتسلّم العائلات أوراق الملكية، لتستغلّ جمعيات استيطانية الثغرات القانونية مع فقدان الوثائق الأردنية. هكذا، سُجّلت ملكية أراضي الحي عام 1972 من دون علم الفلسطينيين، بعد تقديم الوقفَيْن “السفاردي” و”الأشكنازي” اليهوديَّين ورقة عثمانية قديمة “تدلّ على ملكية اليهود أرض الحيّ”، وفق المزاعم الصهيونية، علماً أن الجمعيات الاستيطانية تستغلّ قوانين صُمّمت بالأساس للاستحواذ على أراضي المقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة، كقانون “المصلحة العامة”، و”الأملاك اليهودية قبل النكبة”، و”أملاك الغائبين”. أمّا القضاء الإسرائيلي، فلم يكلّف نفسه فحص صحّة ورقة الجمعيات الاستيطانية، بل صدّق عليها من دون اكتراث للعائلات الفلسطينية ووثائقها. ويؤكد المحامون الفلسطينيون، الذين تسلّموا القضية، أن ورقة المستوطنين “لا تثبت ملكية اليهود للأرض”، بل تشير إلى “حق استخدامها”.
يُشار إلى أنه في منتصف السبعينيات، رفعت الجمعيات الاستيطانية دعوى ضدّ أربع عائلات تقطن الحيّ لطردها من منازلها، لكن المحاكم الإسرائيلية آنذاك رفضت الدعوى على أساس أن الفلسطينيين مستأجرون ومحميّون قانوناً، من دون أن تفحص الزعم اليهودي بملكية الأرض.
بعد ذلك، تفرّعت عشرات القضايا والجلسات، لتتجزّأ مسألة الحيّ إلى أجزاء متناثرة، وتتحوّل إلى دعوى ضدّ عائلة ما أو عائلات عدة وليس كلّ العائلات والبيوت، حتى جاء عام 1982 ووقع الأهالي ضحية لمحامٍ يهودي يُدعى توسيا كوهين، ترافع عن نحو عشرين عائلة ضدّ قضايا تطالبها بإخلاء منازلها، لكنه أبرم من وراء ظهورهم اتفاق تسوية مع الجمعيات الاستيطانية ينصّ على الإقرار أن ملكية الأرض تعود إلى اليهود، مقابل وقف طرد العائلات وتدفيعها إيجاراً للجمعيات لـ99 عاماً.
وعلى رغم إنكار العائلات تلك الاتفاقية ورفضها دفع الإيجار عند علمها بها، إلّا أن التسوية أثبتت “قانونياً” ملكية الأراضي لليهود كون المحامي مكلَّفاً من الأهالي بالدفاع عن مصالحهم، وقد استمرّ الوضع على ما هو عليه حتى وفاة كوهين نهاية التسعينيات، ليكلَّف بعده محاميان فلسطينيان.
في النتيجة، نجح المستوطنون والعدو في طرد أول ثلاث عائلات من الشيخ جراح في 2008، واستوطن في بيوتهم مستوطنون صاروا مجاورين لبيوت الحيّ قسراً وقهراً، وبدأوا المضايقات والاستفزازات المتتالية لإرغام بقية العائلات الفلسطينية على الرحيل، كما بقيت شرطة العدو تشنّ هجمات على الفلسطينيين بذريعة شكاوى من المستوطنين الذين اغتصبوا بيوتاً داخل الحيّ.
ووفق تقرير لمكتب “أوتشا” في الأراضي الفلسطينية التابع للأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2010، طَرد المستوطنون أكثر من 60 فلسطينياً من بيوتهم، ولا يزال 500 آخرين مهدَّدين بتهجيرهم.
ويقع هذا الحيّ شمال البلدة القديمة في القدس، وله رمزية عند المسلمين والفلسطينيين، كونه يحمل اسم طبيب صلاح الدين الأيوبي، وقد قطنه المفتي أمين الحسيني، وهو يضمّ عدداً من المراكز والبعثات الديبلوماسية.
ومع أن “الشيخ جرّاح” يعاني من سوء البنية التحتية، ومساكنه آيلة إلى السقوط بسبب قِدَمها، لا يمنح العدو تراخيص بناء للفلسطينيين، ويحرمهم بناء منزل يتجاوز طابقيْن. كما أنه منذ النكبة يطمح إلى الاستيلاء عليه كاملاً لوصل المستوطنات بعضها ببعض وعزل الأحياء الفلسطينية، إضافة إلى إبعاد الفلسطينيين عن المسجد الأقصى قدر الإمكان. كذلك، يريد فتح الطرق أمام المستوطنين من غربيّ المدينة نحو “الجامعة العبرية” المقامة شرقيّها للسيطرة على شرقيّ القدس بأكمله، ليصير الحيّ “المفتاح نحو الشرق”.
هنا، يرى الأهالي أن حلّ قضيتهم ووقف طرد المستوطنين لهم معلّقان بالأردن وما بحوزته من وثائق ملكية وأوراق رسمية، ولذا يطالبونه بالتدخُّل وتسليم الوثائق للمحامين.
في المقابل، تؤكد الخارجية الأردنية أنها سلّمت الوثائق ذات العلاقة للسلطة الفلسطينية في العامين الماضيين، بما فيها الاتفاقية بين أهالي الحيّ والأردن و”الأونروا”. لكن الادعاء الأردني يصطدم بتصريحات الخارجية الفلسطينية التي قالت إنها تلقّت وثائق ناقصة، مضيفة أنه يجري “العمل على تأمين وثائق أخرى، علماً بأنه ليس من السهل توفيرها لأنها تعود إلى حقبة سابقة”. حتى الوثائق التي وصلت “غير مختومة رسمياً وليست معتمَدة، ولا تعترف بها المحاكم الإسرائيلية، لأنها لا تحمل ترويس الأردن ولا تثبت ملكية العائلات الفلسطينية لبيوتها”.
وعلى رغم تقديم العائلات طلبات متتالية إلى عمّان بتسليم الوثائق المعتمدة، تتواصل المماطلة، ولولا حملة #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح #savesheikhjarrah، ما اضطرت الخارجيتان إلى الردّ بعد صمت مطبق حول القضية.
المصدر: الواقع السعودي