“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
فصل آخر من فصول تطيير إمكانية حلحلة الملف الحكومي، انضمّ إلى لائحة التفشيل المتعمّدة. نُدشّن اليوم الشهر السادس من عمر التكليف منخفض دسم التأليف، ولا شيء يستدعي إحالة الملف إلى غرفة العمليات المركّزة، ما يثبت أن لا نية بعد، أو قرار، لتأليف الحكومة العتيدة لدى المعنيين بأمرها. بإيجاز، أفشلَ رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري المحاولة الجديدة، بالتكافل والتضامن بينه وبين شركائه، بفعل تعامله “البارد” مع الملف وإيلاء مسألة الزيارات الخارجية الأولوية القصوى، رغم ثبات أن تلك الزيارات، وعلى كثرتها، لم تؤدِ إلى تحريك ولو حجر على رقعة التأليف.
وعلى الأرجح، سيمضي الحريري في اعتماد ذات الأسلوب، تفضيل الخارج على الداخل، والآخرون لن يفرقوا عنه كثيراً. سيبقون على ذريعة، أن أمر التأليف الخارجي لم يصدر بعد، وسيستمر ويستمرون بنفس لعبة التفشيل، ما دام أن “الأوكي” لم تصدر عن المرجعيات الكبرى المعنية بالملف، وفي ضوء إعادة نبش أوراق الإقليم، سيطول التأليف.
كان يفترض أن تجمع باريس، ذات الثلاثاء، الحريري برئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل، على بركة إنهاء ذيول الخلاف المستعر بينهما منذ أشهر، لكن ألعاب الخفّة التي مارسها رئيس الحكومة المكلّف منذ مدة وتهرّبه الدائم من المواجهة، ورفضه الجلوس مع رئيس أكبر كتلة برلمانية، عوامل دفعت أولاً إلى تأجيل اللقاء من الخميس ما قبل الماضي إلى موعد طار مع طيران مفاعيل التأليف، ما دفع أخيراً إلى إلغائه نتيجة رفض الحريري الحضور إلى باريس، وإبلاغه دوائر قصر الإليزيه أنه ليس مستعداً بعد للقاء، وإذا ما كان للموضوع صلة بتأليف الحكومة، فإنه يفضّل “التكلّم” مع رئيس الجمهورية ميشال عون!
هكذا وببساطة، نسف الحريري إمكانية الحل التي كان يعمل عليها الفرنسيون منذ أكثر من شهر، في مسعى منهم لاستيلاد الحكومة خلال الشهر الجاري، حتى أن صديقه برنار إيمييه، المدافع الشرس عنه لدى الإدارة الفرنسية، صُعق من تهوّر الحريري وردّ فعله “المستغرب” على الدعوة، ما وضعه في موقعٍ لا يُحسد عليه، خاصة بنظر زملائه في الإليزيه، الذي كان ينتظر من الحريري، جواباً مختلفاً كلياً.
عموماً يُعدّ الفرنسيون اليوم في موقعٍ لا يُحسدون عليه. الموقف الفرنسي يؤشّر إلى ضحول سياسي واضح وعدم قدرة على تصريف ولو أمر، تجاه من يُفترض أنه محسوب على باريس سياسياً. ووسط هذا الجو باتت فرنسا، أمام صورتها، كونها صاحبة المسعى الأبرز، ملزمة بإنهاء ملف المراوحة في لبنان، أو في عبارة أخرى، اتخاذ قرار سياسي جريء لوضع حدّ للتلاعب بمشاعرها السياسية، حتى ولو بلغ ذلك اللجوء إلى قرارات لا تكون عادةً مدرجة على لائحة السياسات أو الخيارات الفرنسية الطبيعية، وهو مطلب وُضعت باريس في ضوئه منذ مدة ليست قصيرة، لكنها ما زالت تستمهل اتخاذ القرار، على اعتبار وجود قراءة لديها من أن أي انعطافة نوعية سياسياً تجاه لبنان، لا بد أن تكون محكومةً بتغييرات من المطلوب أن تكون مدعومة من جانب دولي كامل، كي لا تظهر على أنها خطوة أحادية الجانب، قد تستغلّها الجهات اللبنانية للفرار من أي جزاء.
في الواقع، يشعر الرئيس الفرنسي أنه لم يعد يمتلك أي ورقة ضغط في لبنان. ما كان يظن أن سعد الحريري قد يكون في وارد تحقيقه من خلال تأليف حكومة منسجمة مع الرغبات الفرنسية أثبت ضموره أيضاً، ذلك بفعل ارتهان الحريري إلى مجموعة من المطالب السياسية، التي تتجاوز بالنسبة إليه أهمية علاقته مع فرنسا، لذا بات ماكرون مجبوراً على التصرّف، أمام الحريري وأمام حلفائه. من هنا، يتردّد من فرنسا أن ساعة الحسم اقتربت، وعلى الأعمّ الأغلب، سيجري إبلاغ الحريري قريباً بقرار إنهاء التعامل السياسي معه لبنانياً في ما له صلة بالمسألة الحكومية، وهو فعل في حال حصل، هو أقرب إلى عقوبات ذات طابع سياسي منها إلى عقوبات ذات طابع إجرائي، إذ ستحوّل الحريري إلى شخص مكسور بالنسبة إلى واقعه السياسي اللبناني الداخلي.
مع ذلك، يعمل الحريري على محاولة تأخير أي قرار مشابه، معتمداً على مجموعة مع العلاقات التي يتمتّع بها داخل الدائرة الفرنسية الضيقة. هدف الحريري الحالي تأخير صدور أي قرار قد تكون باريس في وارد اتخاذه ضده أو ضد أي مجموعة قريبة منه إلى حدود معقولة، ورهانه على مجموعة من التطورات التي يرى أنها قد تسفر عن خرق ما في لحظة ما.
من هنا، يُلاحظ ارتفاع وتيرة تحضيرات فرنسا لمعاقبة من يُتّهمون بعرقلة تأليف الحكومة، وليس سراً أنه، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، وردت إشارات فرنسية تحمل هذا الجو إلى أكثر من طرف سياسي لبناني داخلي، أثبتت لديهم أن فرنسا، المتأخرة حتى الآن عن اتخاذ قرارات نتيجة حسابات داخلية، لن تبقي على مساعيها مجمّدة، بل، وفي فرصة مفاجئة ستتّخذ قرارها على معطّلي التأليف، وهو ما تبلّغه صراحة أكثر من جانب ديبلوماسي عامل في بيروت وتولى توزيعه إلى مجموعة من الحلفاء.