البناء
خلال عقدين كانت الحروب الكبرى الدائرة في المنطقة تتركّز في المشرق، وعنوانها السيطرة على قلب آسيا، فكانت حروب أفغانستان والعراق ولبنان وسورية وغزة، ولم يعد خافياً أن هذه الحروب مُنيت بالفشل الذريع، وأن واشنطن التي قادت هذه الحروب تجري مراجعة لسياساتها على قاعدة الجدوى وتحديد الأولويات، والواضح أن ما يجري في فيينا من مفاوضات تحت عنوان العودة الى الاتفاق النووي مع إيران ليس شأناً تقنياً بقدر ما هو تعبير عن تغير الأولويات الأميركية رغم الاعتراضات العالية السقف الصادرة من السعودية وكيان الاحتلال، والتي كانت تقف في خلفية المشروع الذي قاده الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وفشل في إنعاش مشروع السيطرة على المنطقة، بينما نمت في ظل موازين القوى لصالح محور المقاومة بصورة لا تقبل النقاش.
تراجع النفوذ الإقليمي لثنائي القوة الذي يمثله موقع السعودية المالي ومقدرات كيان الاحتلال على الصعيد العسكري، يظهر بالعجز عن التأثير في مسارات دول، طالما كانا فيها عامل تقرير حاسم، بينما تظهر الوقائع تمدداً وتوسعاً في الحركة السعودية وفي تمدد أذرع كيان الاحتلال نحو أفريقيا، حيث في نيجيريا وإثيوبيا والسودان وليبيا وأوغندا وكينيا ورواندا، حيث يتولى السعوديون البلاد ذات الغالبية الإسلاميّة ويتولى كيان الاحتلال بلاد الغالبية المسيحية، ويتشاركان البلاد المختلطة، ولا يبدو هذا التحرك بعيداً عن حركة أميركية للإمساك بأفريقيا بوجه تمدد صيني واضح، في ظل مخاطر خسارة تتزايد احتمالاتها، للهيمنة الأميركية على آسيا.
تقع مصر على الفالق الاستراتيجي للمشروع الأميركي الذي تنفذه السعودية وكيان الاحتلال، ومعها السودان الذي تمّ تغيير نظام الحكم فيه لتحويله قاعدة لهذا المشروع تحت عنوان التطبيع، ويمثل مشروع سدّ النهضة الذي تقوده إثيوبيا ويتم تمويله من البنك الدولي والبنوك الأوروبية وتساهم فيه السعودية والإمارات وتوفر الحماية العسكرية له مخابرات كيان الاحتلال ووحداتها الصاروخية، والمشروع يهدّد مصير مصر الوجودي وليس فقط تهديدها بالعطش، وتستعدّ من خلاله إثيوبيا لزعامة أفريقيا بدعم من السعودية والكيان، وصولاً لاشتراط الأمن المائي لمصر والسودان بالأمن المائي لكيان الاحتلال.
ماذا ستفعل مصر؟ وهل تشكل البوابة السورية مدخلاً لإعادة إنتاج الثلاثيّ المصريّ التركيّ الإيرانيّ، على قاعدة سورية القويّة، عنواناً للدبلوماسيّة المصريّة الجديدة؟