نوال الأشقر-لبنان24
انعكست الأزمة المعيشية والإجتماعية الناجمة عن انهيار الليرة اللبنانية على مسألة بدلات الإيجار، وفجّرت نزاعًا بين المالكين والمستأجرين. الإشكالية هي في عقود الإيجارات المبرمة بالدولار وليس بالليرة، في هذه الحال كيف ستُحتسب البدلات بوجود أكثر من سعر لصرف الدولار في لبنان، بين الـ 1500 والذي لم يعد سعرًا حقيقيًّا، وسعر المنصّة الصادرة عن مصرف لبنان وفق الـ 3900، أو سعر السوق الموازية غير الخاضع لضوابط والذي يرتفع بشكل جنوني؟
نقيب المالكين باتريك رزق الله لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى الظروف المعيشية التي باتت صعبة جدًا على المؤجرين “لا بل مرهقة، وشبيهة بظروف الثمانينات عندما انهارت قيمة الليرة اللبنانية، ومعظم إيجاراتنا بالليرة، بحيث فقدت 90 % من قيمتها في الإيجارات الجديدة، وأيضا التي تخضع للقانون الجديد”. وهناك أيضًا معضلة إلإيجارات غير السكنية القديمة “التي لا تزال من دون تحرير، وهذه مصيبة كبرى. فالمالك يعيش من بدل إيجاراته، ليدفع المستحقات المعيشية، فيما ارتفعت أسعار السلع 400 % والخدمات أيضا وكذلك أسعار الدواء، فكيف يؤمنها المالك؟ يريدون منّا تحمّل الأوضاع المعيشية وتفهّم ظروف المستأجرين ولا يحرّرون ملكنا القديم؟”
رزق الله طالب مجلس النواب بتحرير الايجارات غير السكنية فورًا، وإصدار القرارات القضائية عن اللجان لمعرفة المستفيدين من الصندوق من غير المستفيدين.. معتبرًا أنّ خدمة الإيجار في خطر مرّة جديدة “كما حصل في السنوات الأربعين الماضية، فالمالكون سينكفئون نهائيًا عن التأجير، كما المطوّرون العقاريون، وذلك لمصلحة عمليات البيع والشراء. وهذه الكلفة ستنعكس على المالكين وعلى المستأجرين أيضا، ونحن أصلا اليوم غير قادرين على الإلتزام بواجباتنا، وهذا يهدد المباني القديمة”.
المستشار القانوني للنقابة المحامي شربل شرفان لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ المسألة وعلى خلاف ما تمّ تصويره ليست متعلقة برفض المالك قبول بدلات الإيجار بالليرة اللبنانية، والمالك لا يرفض إطلاقًا تقاضي البدلات بالليرة، بل الإشكالية هي وفق أي سعر صرف سيعتمد في تسديد بدل الإيجار. “فسعر الـ 1500 بات سعرًا وهميًا، ولا يُعتمد إلّا في المصارف ووفق تعاميم مصرف لبنان والتي تحدّد العلاقة بين المصرف والعميل بموجب قانون النقد والتسليف، واستيفاء القروض في المصارف يخضع لهذه التعاميم. بالمقابل مصرف لبنان ليس المرجع الصالح في تحديد سعر الصرف على عكس الشائع، ولم يمنحه قانون النقد والتسليف هذه الصلاحية، وبالتالي يخضع تحديد سعر الصرف إما لسوق العرض والطلب، والسعر الحقيقي لليرة اليوم هو سعر الصرف في السوق الموازية، إمّا لقانون صادر عن مجلس النواب، كقانون الدولار الطالبي الذي ألزم المصارف بالتحويل وفق الـ 1500، في حين أنّه لم يصدر قانون يحدد سعر الصرف بالنسبة للقطاعات التجارية الأخرى، ومنها بدل الإيجار في العقود المبرمة بالدولار.أمام هذا الواقع، وبما أنّ سعر السوق نتيجة مضاربات غير مشروعة، فالحل الوسطي هو باعتماد سعر المنصة وفق الـ 3900”.
يستند شرفان في مقاربته إلى أنّ العقد شريعة المتعاقدين يلزم طرفيه بالتقيد بأحكامه “كما أنّ العقود المبرمة بين المتعاقدين يجب أن ترتكز على مبدأ التوازن بالتعاقد المرتبط بالمنفعة الإقتصادية منه. على سبيل المثال حدّد المالك بدل الإيجار بـ 500 $ توازي 750 ألف، أي تؤمن له قدرة شرائية بهذه القيمة، اليوم بات البدل لا يصل إلى 60 $، في هذه الحال اختل التوازن في العقد نتيجة تغيّر في الظروف، وهناك دعاوى قدمها مؤجّرون إلى القضاء نتيجة إختلال سعر الصرف والذي أخل بمبدأ العقد وبالمنفعة الإقتصادية منه”. أضاف شرفان ” لم يمنع القانون المواطن من التعاقد بالعملة الأجنبية ، وهناك تفسير مغلوط للمادة 301/ق.م.ع. بحيث تم الإكتفاء بذكر القسم الأول منها، في حين أنّ القسم الثاني نصّ على أنّ المتعاقدين أحرار في اشتراط الإيفاء بعملة أجنبية”.
بالمقابل رئيس تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات المحامي أديب زخور لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ الليرة اللبنانية هي وحدة النقد والعملة الرسمية المستخدمة رسمياً، بحسب ما نصت المادة الأولى من قانون النقد والتسليف ، في حين نصّت المادتان 7 و8 منه على أنّ الأوراق النقدية لها قوة إبرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية. أضاف زخور “كل مدين يبرّىء ذمّته بالعملة اللبنانية، ولا يمكن رفض التعامل بالليرة اللبنانية تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة. وبالتالي يمكن تسديد بدلات الايجار بالليرة اللبنانية التي تتمتع بقوة ابرائية شاملة، على أن يتم إرفاق إفادة بسعر الصرف الرسمي، ومن المفضّل أن تكون من جمعية المصارف أو من المصرف، تبيّن السعر الرسمي لصرف الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية لإثبات سعر الصرف بتاريخ التسديد”.
تابع زخور ” لا يمكن أن يمتنع المالك أو أي أحد عن القبض بالليرة اللبنانية، التي تعتبر قوة ابرائية للدين، وفي حال تمنّع المالك عن القبض، يتم عرض وايداع بدلات الايجار فعلياً بالعملة اللبنانية وفقاً لنص المادة 43 من قانون الايجارات 2/2017 لدى كاتب العدل، الذي يعمل في القضاء أو المدينة التي يقع المأجور ضمن نطاق أي منهما، أو إرسال بدلات الإيجار بواسطة حوالة بريدية بكتاب مضمون مع إشعار بالاستلام، ضمن المهلة القانونية إلى محل إقامة المؤجر، ويصبح تسديد بدل الايجار الزامياً بإحدى هاتين الوسلتين خلال مهلة شهرين من تاريخ تبلغ إنذار بالدفع ، اذا امتنع المؤجر عن قبض البدلات مباشرة. أما بالنسبة لبدلات الايجار الجديدة المنظمة وفقاً للقانون 159/92، فإذا تم رفض العرض والايداع لبدلات الايجار من المالك ، فعلى المستأجر زيادة على الاجراءات بأن يتقدّم بدعوى اثبات صحة العرض والايداع الفعلي لدى قاضي الإيجارات، خلال 10 ايام من تاريخ تبلّغه رفض المالك لهذا العرض والايداع”.
بالمبدأ الفريقان متّفقان على الإيفاء بالليرة، والخلاف هو وفق أي سعر صرف. هذه المعضلة ستتفاقم في المدى القريب، وتنعكس نزاعات بين الفريقين، خصوصًا في حال استمر حال الإنتظار والجمود الحكومي.