محمد بلوط- الديار
باريس تدرج اسماء ٥ شخصيات في لائحة تعدّها تحت عنوان «الاجراءات الرادعة»
بكركي تستضيف باسيل في «عشاءٍ خاص» والحريري يقابل البابا فرنسيس اليوم
ما هي ابعاد ما جرى امس في شركة مكتف لتحويل الاموال والصيرفة ومحيطها؟ والى اين تتجه معركة التدقيق الجنائي والملفات المالية التي اشتدت مؤخرا بعد خطاب الرئيس عون الاخير؟ هل صحيح ان تطورات هذا الملف هي مجرد نزاع قضائي ام انها تلخص مشهدا اكبر يتجاوز هذه القضية ليجسد معركة سياسية شرسة تشمل الصراع على الحكومة وما بعد بعد الحكومة؟ الوقائع والتطورات التي سجلت منذ ايام تؤكد ان الصراع الحاد بين الرئيس عون والتيار الوطني الحر من جهة والرئيس الحريري وتياره حول الحكومة قد توسع نطاقه لتستخدم فيه كل الاوراق المتاحة في ظل انسداد الآفاق امام المساعي والجهود المبذولة لحل الازمة.
ووفقا للمعلومات المتوافرة من مصادر متعددة امس، لم يطرأ اي تطور ايجابي في شأن موضوع الحكومة، لكن اوساط الثنائي الشيعي اكدت في الوقت نفسه ان هذا الامر لن يثنيها عن متابعة جهودها شرط تخفيض حدة التوتر والتأزم بين بعبدا وبيت الوسط.
والى جانب ذلك، برز امس عودة تحرك بكركي واستضافة البطريرك الراعي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى مائدة العشاء في لقاء هو الاول من فترة غير قصيرة وبحث الملف الحكومي وقضايا اخرى.
وسبق العشاء السري مع باسيل ان اكد الراعي في الدورة الاستثنائية لمجلس البطاركة الكاثوليك على تشكيل حكومة تعمل على اعادة هيبة الدولة واجراء الاصلاحات وتحرير القضاء من السياسيين لكي يتمكن من الحكم بعدل.
كما دعا البطاركة الاطراف السياسية الى حوار حقيقي وصادق، معتبرين ان هذا الحوار بات ضروريا اليوم. واكدوا على «حكومة انقاذية فاعلة ومتحررة من التدخل الحزبي والسياسي، وهي حاجة ملحة لاجراء الاصلاحات ومكافحة الفساد وتحقيق التدقيق الجنائي عبر قضاء مستقل».
وتاتي مائدة بكركي عشية لقاء الرئيس الحريري مع البابا فرنسيس اليوم بعد ان وصل مساء امس الى روما. ومن المقرر ان يجري لقاءات مع كبار المسؤولين في الفاتيكان، كما يقوم بزيارة لايطاليا يلتقي فيها رئيس الحكومة الايطالية ووزير الخارجية.
عون وملف مكتف
وفي اليوم الماراتوني الذي سجل في شان معركة ملف مكتب مكتف للصيرفة، واصلت القاضية عون الامساك بهذا الملف بعد ساعات من مثولها امام مجلس القضاء الاعلى الذي احالها الى هيئة التفتيش القضائي واكد في بيان له على قرار مدعي عام التمييز بكف يدها عن الملفات المالية المهمة.
وعلى عكس ما توقعه البعض فقد ارسلت القاضية عون قبل الظهر احد الخبراء الى مكاتب مكتف للصيرفة لمتابعة جمع الادلة والتحقيق في ملف القضية، لكنه لم يتمكن من القيام بالمهمة رغم دخوله الى مبنى الشركة وجوبه باعتراض محامي مكتف.
وبعد ذلك حضرت القاضية عون شخصيا الى الشركة، لكنها لم تتمكن من الدخول الى حرم المبنى لاقفال البوابة بوجهها، فاعلنت لاحد المراسلين انهم يحاولون منعها من الدخول لحجب داتا المعلومات عنها، مؤكدة ان هذه الداتا تخص حقوق الناس واموالهم وهي تؤدي الى معرفة تحويل الاموال ومن المسؤول عنها وعن ارتفاع الدولار.
ثم ما لبث ان وصل عشرات المناصرين لها وللتيار الوطني الحر، فقاموا بخلع البوابة الخارجية لتدخل القاضية عون بسيارتها الباحة برفقة خبيرين مالي وتقني. وطلبت من المناصرين الابتعاد بعد مناوشة مع احد محامي الشركة الذي حاول في البداية اعتراضها بحجة ان الملف صار مع القاضي ليشع. لكنه تراجع لاحقا بعد ان امرت عون عمالا بخلع بوابة المبنى ودخلت مع الخبيرين ومرافقيها من امن الدولة الى بهو المكاتب قبل ان يتم خلع الباب الثالث للمكتب الرئيس حيث توجد الوثائق واجهزة الكمبيوتر.
وفيما كانت عون تجمع المعلومات بمساعدة الخبيرين، حضرت الى المكان قوة كبيرة من مكافحة الشغب واصطدمت بالمتظاهرين قبل ابعادهم الى خارج حرم مبنى الشركة. ثم حضرت قوة مؤللة من القوة الضاربة لفرع المعلومات وحصل تدافع بين عناصرها والمتظاهرين قبل ان تفتح الطريق امام الياتها التي دخلت باحة المبنى وسط توتر واجراءات امنية مشددة.
وتزايد عدد مناصري القاضية عون والتيار وحضر الوزير السابق في التيار غسان عطالله مؤازرا. ورفض المتظاهرون مغادرة المكان طوال وجود القاضية عون في مكاتب مكتف.
وبعد خمس ساعات نقل مرافقو عون كميات كبيرة من الوثائق وعددا من اجهزة الكمبيوتر الى سيارة القاضية التي استطاعت القيام بما لم تتمكن منه يوم السبت الماضي.
وحسب المعلومات، فان عون استندت الى انها لم تتبلغ رسميا باي قرار وان ما صدر عن مجلس القضاء الاعلى هو بيان وليس قرارا. كما انها تتابع سير ملف بدأت بالتحقيق فيه وقطعت شوطا في جمع ادلته.
من جهة ثانية، ادلى رئيس شركة مكتف للتحويلات المالية ميشال مكتف امس بافادته امام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم وقال انه سيمثل امامه غدا لتقديم المستندات المطلوبة في ملف لا علاقة له بالقضية التي تحقق فيها القاضية عون.
وبعد ما حصل امس من تطورات متسارعة في هذا الموضوع، تطرح علامات استفهام عديدة حول ما يمكن ان يستجد في هذا الشان، مع العلم ان مصدرا بارزا في التيار الوطني الحر قال للديار ان ما يجري هو جزء اولي من معركة التدقيق الجنائي التي فتحت ولن تغلق ابدا.
وكان التيار اصدر مساء امس بيانا دان فيه «اعتداء القوى الامنية على المتظاهرين السلميين على الطريق العام من دون ان يعتدوا على املاك عامة اوخاصة».
وقال «ان مهمة القوى الامنية الحفاظ على سلامة المواطنين»، وطالب بمعاقبة من اعطى الاومر للاعتداء عليهم، مؤكدا ان هذه المعادلة لن تستقيم ولن يتم السكوت عنها.
وسبق ذلك بيان مقتضب لوزير الداخلية اكد على حق التعبير السلمي، لكنه شدد في الوقت نفسه على حماية الأملاك العامة والخاصة.
الحكومة في الثلاجة
في هذا الوقت بات ملف الحكومة مجمدا في ثلاجة التعطيل في ظل التصعيد السياسي الذي تجاوز كل الحدود، ما جعل مصدرا سياسبا بارزا يققول لـ «الديار» ان اعادة تحريك هذا الموضوع صار يحتاج الى معجزة، مشيرا الى ان كل المحاولات والمساعي الاخيرة باءت بالفشل، الامر الذي يؤشر الى اننا ذاهبون الى الفراغ، لا سيما في ظل عجز حكومة دياب من ممارسة تصريف الاعمال والتصدي للقضايا الضرورية والملحة.
واضاف المصدر ان الجهات المعنية للقيام بالمساعي الحكومية استنفدت العديد من الاقتراحات والضغوطات لحمل طرفي النزاع على التراجع عن التصعيد واستئناف البحث في تذليل العقبات الباقية امام التاليف.
وقال ان البلد صار في حالة انتظار مقلقة جدا، ولا يمكن لاحد ان يتكهن بمصير التطورات المقبلة.
وعلمت «الديار» من مصادر مطلعة ان الثنائي الشيعي ابلغ طرفي الصراع انه ينتظر منهما تخفيض حدة الصراع والتوتر السياسي لاستئناف البحث في افكار واقتراحات يمكن ان تشكل مخارج لمعالجة العقد الباقية امام تاليف الحكومة.
وقالت المعلومات ان الرئيس بري قد يقدم في الايام القليلة المقبلة على شيء ما يساهم في اعادة تحريك مبادرته، مشيرة الى ان حزب الله لا يزال ينشط على خط المساعي ويقوم بتدوير الزوايا من خلال اجراء اتصالات ولقاءات بعيدة عن الاضواء لا سيما مع بعبدا والتيار الوطني الحر.
اللائحة الفرنسية قريبا
وفي ظل تعطيل مسار الملف الحكومي، يستمر الحديث عن اجراءات فرنسية واوروبية للضغط على المسؤولين والقيادات السياسية اللبنانية لحملهم على تعديل مواقفهم والافراج عن الحكومة.
وكشف مصدر مطلع لـ «الديار» امس عن ان فرنسا قطعت شوطا مهما في اعداد لائحة باسماء عدد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين لاتخاذ اجراءات ضاغطة بحقهم تحت عنوان اجراءات رادعة وضاغطة، مشيرا الى ان هذه الاجراءات لا ترتقي الى مستوى العقوبات لكنها تشكل ضغوطا مؤثرة في هؤلاء الاشخاص وتبعث برسالة قوية للذين يعطلون عملية تأليف الحكومة.
واضاف المصدر ان هناك اربعة او خمسة اسماء ادرجت حتى الآن على هذه اللائحة، وانه يجري استكمال درس اسماء اخرى قبل ان تباشر فرنسا بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي او عدد من الدول اوروبية تطبيق اجراءاتها.
واوضح ان من بين هذه الاجراءات:
– منع السفر الى فرنسا ودول اوروبية اخرى، وتجمــيد فيــزا الشينغن لدى الاشخاص التي سترد اسماؤهم في اللائحة.
– متابعة التدقيق في حسابات الاشخاص الذين ستشملهم اللائحة في حسابات المصارف في فرنسا وفي دول اوروبية اخرى.
وفي هذا الصدد، ستعمد الجهات الفرنسية المختصة الى التدقيق في تحويلات مالية سابقة والتحويلات اللاحقة. وهذا التدقيق شكل من اشكال التدقيق المالي الذي لا يحتاج الى اجراءات قضائية في المرحلة الاولى، ويمكن في حال ظهور عمل جرمي او جزائي ان يتحول الاجراء الى ملف قضائي بحق اي متهم.
– ضغوط سياسية مباشرة تأخذ اوجها عديدة، منها المقاطعة والعزل.
واوضح المصدر ان هذه الاجراءات ليست عقوبات باعتبار ان الانظمة الفرنسية تحدد شروطا معينة لاتخاذ عقوبات بحق جهات او افراد فرنسيين او اجانب، وهي تخضع لمسار قضائي محدد.