في الوقت الذي أصبح الوضع الاقتصادي في لبنان أسوأ وأصعب من ذي قبل. وبسبب عدم تشكيل الحكومة المركزية في بيروت، أصبح الاقتصاد اللبناني الضعيف والمريض أكثر مرضًا من ذي قبل، وبالتزامن مع شهر رمضان المبارك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في هذا البلد العربي الجميل إلى عنان السماء.
وتؤكد بعض التقارير الميدانية أن أسعار بعض المواد الغذائية والفاكهة في لبنان ارتفعت ست مرات على الأقل خلال شهر رمضان العام الماضي، وفي هذا الصدد تعرَّض العديد من المواطنين والأسر لمزيد من الضغوط للحصول على احتياجاتهم وطعامهم.
کما تراجعت القوة الشرائية للمواطنين، حيث وصلت قيمة العملة الوطنية اللبنانية مقابل الدولار إلى 15 ألف دولار نهاية الشهر الماضي، وخسرت 90٪ من قيمتها في عام واحد.
تشير الملاحظات الميدانية في الشوارع ومحلات بيع الأغذية في بيروت إلى أن وجبة الإفطار في لبنان تكلف ما لا يقل عن ضعفين ونصف الحد الأدنى للأجور.
ويرجع ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تراجع الاقتصاد اللبناني الذي يستورد معظم احتياجاته الغذائية، كما أثر ارتفاع الدولار على الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية المستوردة.
طبعاً في ظل هذا الوضع الاقتصادي السيئ، زادت الأزمة الناجمة عن وباء كورونا الطين بلةً، ومع ازدياد عدد العاطلين عن العمل في لبنان، باتت العديد من العائلات بحاجة إلی مساعدة الجمعيات الخيرية.
الأزمة الاقتصادية في أعقاب الجمود السياسي
الوضع الاقتصادي في لبنان سيء للغاية، وبحسب العديد من الخبراء، فإن هذه الأزمة الاقتصادية هي نتيجة مباشرة لشهور من الجمود السياسي في البلاد.
وفيما يعيش اللبنانيون أزمة عدم تشكيل الحكومة منذ أكثر من تسعة أشهر، ومرت أكثر من سبعة أشهر على تکليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة في البلاد، يقتصر المناخ السياسي في لبنان على الوساطة الداخلية والخارجية والمبادرات غير المثمرة لإنهاء الخلاف بين الرئيس اللبناني “ميشال عون” ورئيس الوزراء المکلف.
الواقع أن سعد الحريري لم يتمكن من تشكيل الحكومة في بيروت منذ شهور، وهذا الوضع زاد من تردي الوضع الاقتصادي في هذا البلد.
نهج الحريري السياسي سبب الجمود السياسي في لبنان
لا ينبغي البحث عن سبب فشل الحريري في مشاكل لبنان السياسية، بل في نهج الحريري السياسي.
النظرة إلى لبنان لا مكان لها في نهج سعد الحريري السياسي. ولهذا سافر إلى قطر ثم إلى الإمارات خلال الشهر الماضي. ويُزعم أن الإماراتيين عرضوا عليه أن يغير محل إقامته من بيروت إلى أبو ظبي.
وتشير بعض التقارير إلى أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد طلب من الحريري فك الارتباط مع الرياض والتحالف مع الإمارات. ووعد ولي عهد أبو ظبي بتمويل الحريري بدلاً من الرياض.
من غير المرجح أن يستجيب الحريري لهذا الطلب قريباً، ومن المحتمل أن ينتظر مواصلة علاقة السعودية مع الولايات المتحدة في فترة ما بعد ترامب. وسوف يلجأ إلى الإمارات إذا واصلت الولايات المتحدة مسارها البارد مع السعودية بن سلمان، وهو أمر غير محتمل.
بالطبع، لم يكن ابن سلمان على استعداد للقاء الحريري منذ عدة أشهر، على الرغم من أن التطورات تظهر أن ولاء الحريري للرياض لم يتضاءل.
في الواقع، إن الجمود السياسي اليوم في أزمة الحكومة في لبنان هو نتيجة عدم نظرة سياسيي تحالف 14 آذار إلی الداخل اللبناني. حيث رفض تحالف 14 آذار بقيادة سعد الحريري مراراً مقترحات ميشال عون للخروج من الأزمة، وذلك بسبب اعتماده على السعودية.
فيما يؤيد تحالف 8 آذار جبهة المقاومة، وتعارض السعودية بشدة وجود حزب الله وحلفائه في الحكومة اللبنانية. وطالما أن سعد الحريري يتخذ مثل هذا النهج، فإن أزمة الحكومة في لبنان لن تنتهي.
ولا يمكن أيضاً إنكار تأثير الحكومات الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، لكن النهج السياسي لسعد الحريري هو الذي أوصل لبنان إلى الطريق المسدود السياسي. والمخرج الوحيد للبنانيين هو تغيير اتجاه الحريري من الوضع الحالي والنظر إلى الداخل بدلاً من الخارج.
عرقلة الجهات الأجنبية
من ناحية أخرى، كما ذكرنا، تلعب الجهات الأجنبية دورًا لا يمكن إنكاره في الوضع الاقتصادي السيئ في لبنان.
لبنان حالياً يخضع للعقوبات الأميركية، والضغط الأميركي المتزايد على اللبنانيين لم يعد مقصوراً على المقاومة وحلفائها، بل تستهدف الولايات المتحدة كل لبنان.
في الخريف الماضي، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن واشنطن فرضت عقوبات على البنك المركزي اللبناني. وبالطبع لم يشمل الحظر رئيس البنك رياض سلامة المدعوم من الولايات المتحدة، لكن الحظر يعني إعلان حرب كبرى ضد اللبنانيين تهدف إلى تدمير الاقتصاد اللبناني الهش.
لأن فرض العقوبات علی البنك المركزي يعني عزل لبنان الدائم عن النظام المالي العالمي، وهذا ما جعل الوضع الاقتصادي في لبنان أسوأ من ذي قبل.
من ناحية أخرى، تتيح الأزمة الحالية في لبنان فرصةً خاصةً للولايات المتحدة لإساءة استخدام الدبلوماسية المالية لمواجهة حزب الله.
وفي هذا الصدد، نُشر تقرير نقلاً عن مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين وغربيين، أن ضغوط الولايات المتحدة ومصرف لبنان المركزي هي جزء من حملة دولية ضد حزب الله، رغم أن هذه الضغوط أثَّرت عمليًا على حياة جميع اللبنانيين، وجعلت الوضع أكثر صعوبةً بالنسبة لهم.