ايفا ابي حيدر-جريدة الجمهورية
«المسّ بالاحتياطي الإلزامي» هو عنوان المعركة المقبلة، بعدما أهدر المسؤولون أكثر من عام في انفاق اموال المودعين تحت مسمّى «الدعم»، مرفقاً بوعد «الترشيد». اما وقد شارفت احتياطات المصرف المركزي من العملات الاجنبية على الانتهاء، فلا شك انّ مرحلة ما قبل نهاية ايار 2021 لن تكون كما بعده. لكن مَن لم يجرؤ على اتخاذ قرار الترشيد مع توفّر الاموال، هل يجرؤ الآن مع وصول الاحتياطي الى الخطوط الحمر؟
جولة جديدة من اللقاءات قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على السياسيين الاسبوع الماضي، لاطلاق النداء الاخير بضرورة ترشيد الدعم، لأنّ الاحتياطات بالعملات الاجنبية المخصّصة للدعم تنتهي في أواخر أيار المقبل، وبعد هذا التاريخ لن يكون ممكناً الاستمرار في سياسة الدعم الحالية التي، ورغم ثبات فشلها، استمرت وأدّت الى استنزاف سريع للعملات الصعبة.
ومع تأكيد أكثر من طرف، انّ ترشيد الدعم لن يتمّ قبل عيد الفطر، بما يعني انّ الفترة الفاصلة ما بين الترشيد وانتهاء الدعم لن تتجاوز الاسبوعين، فهل يتمكن مَن اهدر مليارات الدولارات خلال أكثر من عام ولم يتجرأ على ترشيد الدعم، من السير بهكذا قرار في غضون ايام، وذلك بعدما نضبت الاموال ووصلت الى حدودها الدنيا؟ وفي حال قَبل رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بحمل كرة نار الترشيد، نظراً لتداعياته المقلقة على سعر الصرف وانعكاسها السلبي على قدرة المواطن الشرائية، من اين ستأتي الحكومة بالأموال لتغطية كلفة ترشيد الدعم، وهل ستستخدم ما تبقّى من الاحتياطي الاجنبي ام من خلال طباعة الاموال؟ في غضون ذلك، وقبل طي مرحلة الدعم، لا بدّ من وقفة تقييمية.
في السياق، قالت مصادر مصرفية لـ»الجمهورية»، انّ الطريقة اللبنانية في دعم الأسعار هي طريقة فريدة في العالم. فدعم الاستيراد بحجة استقرار الأسعار ومنع ارتفاعها هو دعم بالعملات الأجنبية، خصوصاً بالدولار الأميركي، وهذا بديهي، لأنّ أطراف التجارة الخارجية لا يتعاملون مطلقاً بالليرة اللبنانية كما هو معروف.
أضافت: «قبل تشرين الأوّل 2019 كان يموّل مصرف لبنان كل المستوردات بسعر الصرف المصطنع، أي 1515، ما عدا تلك التي تموّلها المصارف مباشرة من حساباتها لدى المراسلين. في الوقت الحاضر توقّف تمويل المصارف للاستيراد، لكن مصرف لبنان يستمرّ في تمويل بعض السلع المحدّدة التي تُعتبر حيوية وأساسية، كالمحروقات والقمح والأدوية، بما يُعتبر سعراً رسمياً للصرف». وأكّدت المصادر، انّ هذه الطريقة في دعم أسعار السلع الحيوية تترتّب عليها نتائج سلبية عدة:
أولاً، إنّ هذا النوع من الاستيراد هو بطريقة أو بأخرى، دعم جزئي لسعر صرف الليرة اللبنانية. ولقد بات واضحاً في ضوء التجربة المريرة التي يعيشها لبنان، أنّ تثبيت سعر الصرف بطريقة مصطنعة على مدى ربع قرن هو السبب الأوّل للانهيار النقدي والمالي، لأنّه استنفد موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية التي تكوّنت أصلاً من اقتراض المصرف المركزي لودائع زبائن المصارف. وحيث أنّ هذه الموجودات قد هُدرت في تمويل عجز الميزان التجاري وكل أنواع الطلب على العملات الأجنبية، بات يستحيل ردّ الودائع لأصحابها.
ثانياً، يعني ذلك أنّ استمرار المصرف المركزي بضغط من الدولة في تمويل استيراد المواد الأساسية وفقاً لما يُسمّى السعر الرسمي، هو استمرار للسياسة الخاطئة التي اعتُمدت منذ سنة 1993، وهو يعني استمرار استنزاف ما تبقّى من موجودات نقدية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان. وما بين دعم الاستيراد ودفع المتوجّبات الضرورية الأخرى بالعملات، كانت موجودات المصرف المركزي الخارجية على مدى العام الماضي تنقص شهرياً بمعدّل مليار دولار أميركي.
ثالثاً، يجب تصحيح انطباع خاطئ يسود لدى الرأي العام اللبناني في هذه الفترة، وهو أنّ الاحتياطي الإلزامي هو ملك المودعين ولا يمكن للمصرف المركزي أن يتصرّف به. إنّ كل إيداعات المصارف في مصرف لبنان هي أصلاً ملك المودعين، وقد بلغت في فترة سابقة حوالى 80 مليار دولار أميركي بقي منها حالياً 16 مليار دولار. فتوظيفات المصارف في مصرف لبنان، منها إيداعات إلزامية، يفرض مصرف لبنان إيداعها لديه بحكم الصلاحيات التي منحه إيّاها قانون النقد والتسليف، وهي ما يُسمّى الاحتياطي الإلزامي، ومنها توظيفات اختيارية للمصارف جرى إيداعها لدى المركزي بقصد الاستفادة من معدّلات الفوائد السخيّة التي كان يمنحها مصرف لبنان للمصارف. وفي الحالتين، الاحتياطي الإلزامي والإيداعات الحرّة، التي بلغ مجموعها معاً حوالى 80 مليار دولار، هذه الأموال تعود للمودعين، وإنّ الفصل بين الاحتياطي الإلزامي والإيداعات الأخرى هو فصل وهمي لا أهمّية له. كل هذا المال يعود للمودعين. وكان من الواجب عدم التصرّف به في تثبيت سعر الصرف إلّا بموافقة المودعين أنفسهم.
رابعاً، إنّ دعم الأسعار بهذه الطريقة، أي عن طريق دعم بعض المستوردات، كما بات معلوماً، تستفيد منه كل طبقات المجتمع، وليس الفقراء فقط. بل يستفيد منه الأغنياء والميسورون أكثر من الفقراء.
وشدّدت المصادر، على انّ تصويب الدعم يقتضي اللجوء بالسرعة القصوى إلى حصره بالفئات الفقيرة، عن طريق تقديم مساعدات نقدية بالليرة اللبنانية تُمنح فقط للعائلات غير الميسورة. وتبعاً لذلك، يجب أن يتوقّف مصرف لبنان عن الدعم الحالي لبعض السلع بالعملات الأجنبية، حرصاً على عدالة الدعم وضنّاً بما تبقّى من موجودات المصرف المركزي النقدية، بل ما تبقّى من ودائع المودعين بالعملات الأجنبية.