على غير عادة أعلن مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير أمس الأول في تغريدة له أنّه “مؤتمن على المحافظة على تطبيق الدستور وفصل السلطات وتوازنها وتعاونها وعلى هيبة ما تبقى من المؤسسات وعلى الوفاق الوطني في المسائل ذات البعد القومي بتوجيهات رئيس الجمهورية وأضاف: “موازاة الصيغ أساس الحوكمة في إدارة شؤون العباد والبلاد… كفانا مزايدات وتضليلاً”.
لم يكن من عادة مدير عام الرئاسة أن يغرد سياسياً أو أن يطلق مواقف ويدلي بتصريحات. أن يضطر لإطلاق هذه التغريدة فهذا يعني أنه آثر أن يغادر الصمت الذي يلوذ به مؤتمناً على أسرار كثيرة تمرّ من أمام عينيه ومن بين يديه بعدما تولّد لديه شعور بأنّه عرضة للتشهير والتطاول.
يشكّل مدير عام الرئاسة حالة خاصة داخل القصر الجمهوري. أكثر ما تنطبع صورة “مديرعام القصر” عندما يتمّ الحديث عن الياس سركيس. اختاره الرئيس فؤاد شهاب لهذه المهمة فأعطاها بعدها الوظيفي من خلال الحرص على موقع الرئاسة وعلى القصر في خلال مرحلة كان يبني فيها شهاب مؤسسات الدولة ومن بينها المديرية العامة للرئاسة. في عهد حكومة العماد ميشال عون 1988- 1989 انطبعت صورة القاضي جوزف جريصاتي أكثر في ذهن الناس من خلال مثابرته على تلاوة القرارات الصادرة عن العماد عون وحكومته في ظل مرحلة متفجرة عسكرياً وسياسياً.
لم يأت أنطوان شقير إلى قصر بعبدا مع الرئيس ميشال عون. منذ العام 2011 صار مديراً عاماً للرئاسة. ثلاثة أعوام أمضاها مع الرئيس ميشال سليمان وعامان ونصف العام كان هو أكبر مسؤول في القصر في مرحلة الفراغ الرئاسي. وعندما انتخب العماد عون رئيساً للجمهورية بقي في موقعه. لم يكن من التيار الوطني الحرّ ولكنّه يعمل كما يقتضي موقعه أيا يكن الرئيس كما يقول. حاول منذ صار في هذا المنصب أن يعيد بناء ذاكرة الرئاسة من خلال إعادة تكوين أرشيف العهود الرئاسية بالمراسيم والأحداث والصور وهي مهمة لم تكتمل بعد.
عندما يصدر القرار عن رئيس الجمهورية يصبح شقير من ضمن الآلية التي تعمل على تنفيذه. وهو كما يتّضح من خلال توزيع المسؤوليات في القصر ليس الوحيد الذي تدور معه مسألة البحث في القرارات نظراً لحضور الكثيرين من المستشارين الذين لا يخضعون لهيكلية الوظيفة بل لسلطة الرئيس.
تم التداول كثيراً باسم مدير عام الرئاسة منذ بدأت الإثارة الإعلامية والسياسية حول موضوع الرسالة التي كان يريد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إرسالها إلى الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بتعديل المرسوم 6433 الصادر عن مجلس الوزراء في العام 2011 ويحدّد حدود لبنان البحرية الجنوبية مع الإحتفاظ بحقّ تعديلها عندما تتوفّر معطيات جديدة. برزت هذه المعطيات بعدما تمكّنت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني من تحديد إحداثيات الخط 29 الذي يعطي لبنان مساحات بحرية إضافية. وعندما تمّ البحث في موضوع الرسالة كان من الطبيعي أن يكون مدير عام القصر في دائرة اتخاذ القرار.
عندما حصل الخلاف بين مستشار رئيس الجمهورية للعلاقات العامة طوني حداد والرئيس خرج حداد ليعلن معلومات عن طريقة اتخاذ القرار داخل القصر الجمهوري، مشيراً إلى أن مدير عام الرئاسة لا يفعل شيئاً من دون أخذ الإذن من الوزير جبران باسيل. ولكن شقير لم يخرج للردّ عليه. كان شقير في القصر عندما صدر المرسوم في العام 2011 بعد موافقة مجلس الوزراء وهو لا يزال في القصر مع البحث في تعديلات هذا المرسوم. منذ بدء طرح مسألة هذه التعديلات كان رأيه أنّه لا يمكن أن تكون عن طريق رسالة يوقّعها رئيس الجمهورية وتُرسل إلى الأمم المتحدة نظراً إلى موازاة الصيغ كما ورد في تغريدته باعتبار أن المرسوم 6433 صدر عن مجلس الوزراء والتعديلات يجب أن تصدر عن مجلس الوزراء. ولذلك عندما أطلعه المستشار طوني حداد على الرسالة المكتوبة باللغة الإنكليزية التي كان الرئيس سيوقع عليها اكتشف فيها عبارة تقول إن “لبنان يقرّر تعديل حدوده البحرية”. ولذلك أبلغ حداد أن هذا الأمر لا يجوز ويعدّ مخالفة دستورية لا يمكن أن يتحملها رئيس الجمهورية فالمسألة تعتبر قضية وطنية ولها انعكاسات قد تكون خطيرة ولا بدّ من أن يصدر القرار عن مجلس الوزراء، ولذلك كان عليه أن يطلع الرئيس عون على خطورة هذه الخطوة فتريّث عون. ولكنّه بعد مدّة عاد ووقّع معتبراً أن الضرورات تبيح المحظورات. ومرة جديدة يقول شقير إنه تدخّل لمنع إرسال الرسالة الموقعة فعمل الرئيس على استعادتها من طوني حداد.
حتى بعدما خرج حداد من القصر الجمهوري بطلب من رئيس الجمهورية وسلم مفتاح مكتبه لمدير عام الرئاسة بطلب من الرئيس أيضاً لم تتوقّف محاولات إقرار التعديلات. ولكن مدير عام الرئاسة لم يتغيّر موقفه. عندما جرت محاولة الأيام القليلة قبل زيارة دايفيد هيل لإعادة تظهير الرسالة والتعديلات، وبعد الإجتماع الذي عقد في السراي الحكومي وكان مفاجئاً، وبعد توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب ووزيري الخارجية والأشغال على المرسوم الذي أحالته وزيرة الدفاع، واعتبار أن هذا المرسوم يحتاج لموافقة مجلس الوزراء ليصير نافذاً، وصلت ورقة التعديلات إلى قصر بعبدا على نسخة أصلية بعدما كانت ترسل سابقاً بواسطة الفاكس ويتم الإطلاع عليها وتعطى الموافقة الأولية قبل أن تسلك المسألة طريق التنفيذ ويصار إلى التوقيع عليها لاحقاً. لم يتغيّر موقف مدير عام القصر بقي متمسكاً بأن التعديلات يجب أن تصدر عن مجلس الوزراء. طلب رئيس الجمهورية أن يتمّ إعداد بيان بهذا الأمر. صدر البيان. ولكن بعد صدوره وبعد ربط تراجع الرئيس عن التوقيع بزيارة هيل وصدور تحليلات كثيرة كان رأي مدير عام الرئاسة أن يرد بتغريدة قصيرة ليعود بعدها إلى صمته ولكن من دون أن ينتهي الجدل حول هذا الموضوع.