غادة حلاوي-نداء الوطن
هل هو سن اليأس السياسي الذي دفع بنائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي لأن يخرج عن طور ادبياته السياسية المعهودة تجاه الرئاسة الاولى، فيدعو قيادة الجيش الى استلام السلطة وتعليق الدستور، و”تبعت رئيس الجمهورية على البيت”. من منظّر عن العهد الى صاحب نظرية أفوله عما قريب التي يمكن استنتاجها من بين سطور مواقفه واتهامه بالتسبب بانهيار البلد. تقلّب الفرزلي في مواقفه جعل خصومه والأقربين يحتارون الى اي خندق ينتمي: مع عون وضده، مع القانون الارثوذكسي ويؤيد الدولة المدنية، عروبي مع سوريا وينتظر كلمة السر الاميركية، مؤيد للنظام الديموقراطي ويستنجد بالنظام العسكري.
أحد عشر عاماً امضاها الفرزلي خارج مجلس النواب و30 سنة في تحمل المسؤولية “ما مديت ايدي على المال العام وإجوا يقولوا كلن يعني كلن”، شعار يجد فيه مظلومية ويتصدى له. يجزم عارفوه انه منذ فترة والفرزلي يعض على اشهار الخلاف مع عون ربطاً بالتوقيت من جهة وبالعلاقة التاريخية من جهة اخرى ويترك للطرف الآخر تفجيرها. حسم الفرزلي خياره السياسي الى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري وانتخابياً الى جانب الرئيس سعد الحريري، ويتبنى وجهة نظر المصارف ويدافع عن رياض سلامة. بعد 17 تشرين حسم خياره وبرأيه ان المرحلة العونية انتهت والمسألة مسألة وقت، وثمة من يلعب بالبلد ويريد انهيارها ليعيد زعامته على انقاضها. مشهد غادة عون شكل الذريعة.
لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يشعر انه يتعرض للغدر، واحد يريد توريطه بتعديل مرسوم الحدود الجنوبية، وثان خرب عليه التدقيق الجنائي وثالث طالب باستقالته، بينما تقف بكركي على قاب قوسين او ادنى من لفظ عبارة الدعوة ذاتها. وآخرها ما لم يخطر له على بال ان يكون نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي في عداد المؤيدين، لا بل الداعين الى مثل هذا الانقلاب على عون. “منظّر العهد ورأس حربته”، الذي كان يجاهر بانطباعه “ان قيادة ميشال عون للجمهورية هي قيادة في اعلى انواع الفعالية”، يُتهم بكونه صار جزءاً من ماكينة الانقلاب على عهد ميشال عون بدعوته قائد الجيش للانقلاب على الدستور وتولي الحكم، وان”يبعت رئيس الجمهورية على البيت”. بصريح العبارة قالها قبل ان يحاول بالامس تلطيفها ليبعد شبهة علاقته السيئة بالرئيس ولكن بدل ان يكحلها عماها. حتى الامس القريب كانت تربطه علاقة وطيدة برئيس الجمهورية قبل ان يتحول الى منظر لصوابية ترؤس سعد الحريري الحكومة.
بين الفرزلي وعون علاقة بدأت اولى مراحلها مع عودة الجنرال الى لبنان حيث بدأ الفرزلي التسويق لوصوله الى بعبدا. كان في عداد خلية السبت التي تشكلت قبل انتخاب عون رئيساً للجمهورية بنحو ثلاث سنوات، والتي كانت غاية المنتسبين اليها تأمين وصول الجنرال عون إلى رئاسة الجمهورية. كل من كان في عداد هذه الخلية تفرق شملهم من حول رئيس الجمهورية ولم يبق الا مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي.
لم يبتعد الفرزلي في المواقف ورغم ما ألمّ به في انتخابات العام 2018 يوم تمّ تبني ترشيحه في آخر لحظة انضم الى تكتل لبنان القوي الذي يرأسه جبران باسيل، بيد أن علاقتهما كانت متوترة دائماً. منذ عام تقريباً انقطع تواصل الفرزلي مع الرئيس وانسحب من التكتل النيابي.
لأصحاب الفرزلي المقربين عتب عليه على خلفية موقفه، ويقول عارفوه عن قرب انه اعتاد ان ينصب الافخاخ ويقع فيها. سوّق في السابق للرئيس اميل لحود وعمل داعماً وصوله الى بعبدا ليختلف معه بعد ان صار رئيساً للبلاد. انتقل ليكون الى جانب الرئيس رفيق الحريري فساءت علاقتهما على خلفية سوء تفاهم بينه وبين السوريين، فانسحب الفرزلي وتحول باتجاه المعارضة وشارك في العام 2000 في احد اجتماعاتها في منزل جورج حاوي، ليحل غضب غازي كنعان عليه ويغادر الى فرنسا. هاله بعد اغتيال الحريري في العام 2005 اتهامه بانه جزء من المنظومة. عراب القانون الارثوذكسي الذي ينادي بالدولة المدنية ايضا يقول ضاحكا: “علاقتي مع عون طالت اكثر من علاقتي مع الرؤساء الآخرين، بقيت علاقتي معه اكثر من ثلاث سنوات فيما علاقتي مع لحود انقطعت منذ الاسبوع الاول لرئاسته ومثله مع ميشال سليمان”، ولا يتردد في وصفها على انها “احسن علاقة” لانها “لم تنته بالنسبة لي واذا بدهم يخلصوها يخلصوها، عندي وجهة نظري وقناعاتي ولن اخالفها”.
لا يزعجه التذكير بماضيه كمحام عن العهد ويثبت “اني أحكّم عقلي فأقول حين ارى الصح وانتقد عند الخطأ وجل من لا يخطئ، القصة ليست شخصية ابداً”. وجد الفرزلي نفسه امام مشهدين، تمرد القاضية غادة عون واقتحامها احدى المؤسسات تحت حجة مكافحة تهريب الاموال، في سابقة لم يشهد لها مثيلاً تاريخ لبنان والتي تؤشر الى الانهيار، وتدهور الاوضاع الاقتصادية”، امام هذا الواقع ارتأى أن الحل يكون بدعوة المؤسسة العسكرية الى تعليق الدستور وتطهير البلاد. يؤكد ان دعوته لم تكن موجهة حصراً ضد ميشال عون وانه تم تحريف اقواله فوجدها جماعة العونية فرصة للهجوم وهذه شغلتهم، يصطفلوا”.
يقول الفرزلي: “لم احمّل عون وحده المسؤولية ودعوت لتسلم الجيش كل المؤسسات برمتها”. يستغرب سبب الهجوم عليه فيما كان اللواء جميل السيد سبقه الى دعوته الجميع للتنحي، مع فارق انه سمى الجهة التي يجب ان تتسلم زمام ادارة البلاد”.
لكن كلامك يفهم على انه انقلاب على العهد؟ “يصطفلوا، ليس انقلاباً على العهد بل قلت مجلس النواب والحكومة وكل المؤسسات، وتم اجتزاء كلامي” ومع ذلك “ضميري مرتاح. احب ميشال عون على المستوى الشخصي انما اغلب عقلي على عاطفتي”.