نبيه البرجي- الديار
مثلما تريد الولايات المتحدة اعادة النظر بسياساتها حيال بلدان الشرق الأوسط (باستثناء اسرائيل)، ألا يفترض بهذه البلدان اعادة النظر بسياساتها حيال الولايات المتحدة، عشية تحولات لا بد أن تكون بنيوية في خارطة القوى، كما في خارطة الأسواق، ناهيك عن خارطة الصراعات،على امتداد الكرة الأرضية ؟
الأميركيون قالوا ذلك. كبار الساسة، وكبار الجنرالات، وكبار الباحثين. نظام القطب الواحد، وقد أطلقه الرئيس جورج بوش الأب غداة تفكك الاتحاد السوفياتي، أثبت لاجدواه، بل وأثبت لاواقعيته. التفاعل التكنولوجي بات مشرعاً أمام الجميع. ثمة أمبراطوريات أخرى باتت وراء الباب. هكذا قال زبغنيو بريجنسكي منذ نحو عقدين. الكوكب لا يمكن أن يبقى يدور على قرن ثور.
لن نكون طوباويين الى حد الرهان على قيام منظومة اقليمية في المدى القريب. هذا يحتاج، في ظل الهلهلة الاستراتيجية الراهنة، الى القفز فوق التضاريس التاريخية والايديولوجية، الى التضاريس القبلية والتضاريس الأمبراطورية التي ظهرت في العقود الأخيرة.
حتى رجب طيب اردوغان، بالنرجسية العثمانية، يبدو كما لو أنه يحاول تبديل جلد الثعبان. ها هو يضع جانباً النيوانكشارية (الاخوان المسلمون)، ولطالما استخدمها كعربة بأحصنة كثيرة، ويكاد يعترف بأنه كان يحارب طواحين الهواء، بعدما أقام طواحين الدم على الأرض السورية، وراح يوزع تلك الحثالات الآتية من ثقافة الكهوف، ومن ثقافة الأقبية، في ليبيا واذربيجان، وكاد يبعث بها الى لبنان لو اكتمل سيناريو الفوضى الذي قطع عليه الطريق في الوقت المناسب.
الرئيس التركي عاد يغازل الرياض، ويبعث باشارات الى القاهرة بأنه غسل يديه من ارث حسن البنا، وسيد قطب. الارث الذي حاول توظيفه في خدمة مشروعه الشخصي منذ أن أطلق قصيدته «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذاتنا مآذننا حرابنا، المصلون جنودنا».
القصيدة التي شقت أمامه الطريق الى رئاسة بلدية اسطنبول، وكان يسعى لتكون المدينة عاصمة الأمبراطورية التي تمتد الى أقصى القوقاز، والى أقصى البلقان، وصولاً الى الشمال الأفريقي، على أن يتشارك مع بني اسرائيل في ادارة المشرق العربي.
نحاول أن نلقي نظرة على الاستثمارات الأميركية، منذ منتصف القرن الفائت، في المنطقة العربية. كل الاستثمارات كانت في صناعة الدم. ولا دولار واحد من أجل الانماء الاقتصادي، والسوسيولوجي.
أكثر من معهد دولي وضع لوائح بصفقات الاسلحة التي عقدتها الولايات المتحدة مع الدول العربية. أرقام أكثر من أن تكون خيالية. لو تم توظيف نصف تلك المبالغ لبناء دول، ولبناء مجتمعات، حديثة، لكانت مؤسساتنا توازي، على الأقل، مؤسسات نمور آسيا…
الأميركيون استثمروا صناعياً في كوريا الجنوبية، وفي اليابان التي دمرت أسطولهم في بيرل هاربور، حتى أنهم استثمروا في الصين، ليتعاملوا معنا على أننا كائنات ما قبل الزمن. ولقد أثبتنا، دائماً، أننا كائنات ما قبل الزمنً !
اذا صدق كلام «الفايننشال تايمز»، وينبغي أن يصدق، وأفضت المحادثات السرية بين الرياض وطهران، الى تفاهم ما، أو الى اتفاق ما. علينا أن نتصور مدى انعكاس ذلك على اليمن، وعلى سوريا، وعلى العراق، وبطبيعة الحال على لبنان.
مهما بلغت التعبئة السياسية، والتعبئة المذهبية (وهي التعبئة الغرائزية)، لا تمكن المقارنة بين «الخطر الايراني» والخطر الاسرائيلي، اذا ما تجاوزنا بعض الأصــوات الايرانية التي لا بد أن تثير القلق، وحتى الهلع، على الضــفة الأخرى من الخليج، ودون أن تكون القــيادة الســياسية وراء تلــك الأصــوات. وهذا ما تناهى الينا من جهات مسؤولة في طهران.
ثمة كلام آخر، ولهجة أخرى في ايران، تقابل ذلك محاولات خليجية للحد من الايقاع العشوائي للصراعات، وقد بات جلياً دور المؤسسة الأميركية، والمؤسسة اليهودية، في تصنيعها، وفي تسويقها، وفي ادارتها.
العالم على أبواب تحولات كبرى. لماذا لا تكون منطقتنا على أبواب تحولات كبرى ؟