خلدون الشريف
قبل دخوله الى البيت الأبيض وبعده، لا يخفي جو بايدن رغبته في العودة الى الإتفاق النووي مع ايران. بالمقابل، لا تخفي تل أبيب “حربها” ضد الإتفاق، حتى لو أضرّ ذلك بالعلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية! حصَّن الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه بفريق يعرف إيران جيدًا، وسبق وتعامل معها، من وزير الخارجية انتوني بلينكن الى نائبته ويندي شيرمان الى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان وصولًا الى روبرت مالي الذي كُلّف بمتابعة الملف الإيراني في وزارة الخارجية الأميركية. كما إستعان بوزير الخارجية السابق جون كيري عبر تعيينه مبعوثًا للمناخ في الإدارة الأميركية، وهو الذي نجح قبل خروجه من وزارة الخارجية، في عقد إجتماع مع رئيس لجنة التخطيط للسياسة الخارجية في مكتب المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، كمال خرازي في باريس، بحضور عدد من الشخصيات المذكورة آنفًا، كما اقر مؤخرًا روبرت مالي. وبحسب مصادر عديدة، لم تتوقف اللقاءات بين شخصيات من الحزب الديمقراطي وشخصيات رسمية إيرانية، طوال حقبة دونالد ترامب، وهذا الأمر، شكّل عنصر دفع إضافي لكل من إسرائيل والسعودية والإمارات للإصطفاف بقوة خلف ترامب ومحاولة دعمه بوسائل شتى في انتخاباته الرئاسية الأخيرة التي خَسِرها، وهو الأمر الذي دفع الإدارة الجديدة لممارسة ضغوط على هذه الدول الثلاث سواء من خلال تأخير إتصال بايدن ـ بنيامين نتنياهو، أو تسريب وثائق وإقرار عقوبات بحق مسؤولين سعوديين من دائرة ولي العهد محمد بن سلمان، والتلويح بملفات تطال مقربين من ولي عهد ابو ظبي، ما دفع الأخير الى الإستدارة.. وصولًا إلى محاولة تحسين علاقات بلاده بإيران وحلفائها الإقليميين، مرورًا بتفكيكه قاعدة عصب في اريتريا والتي اعتبرت قاعدة أساسية في حرب اليمن واستخدمت في قصف متمردي التيغري في إثيوبيا، بحسب الإتهامات الأميركية. خرجت الإمارات جزئيًا من المواجهة مع ايران، فيما كان لافتًا للإنتباه ما أوردته “فايننشال تايمز” عن مفاوضات بدأت في التاسع من نيسان/ أبريل في بغداد، برعاية رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، بين وفود امنية سعودية وايرانية، وحصول تقدم على جبهة هذه المحادثات، برغم نفي الجانب السعودي ذلك، وعدم تعليق الإيرانيين والعراقيين، وهذا الأمر يشي بأن التخوف من التوصل إلى إتفاق بين اميركا وايران يتجاوز مصالح دول الخليج، دفع ويدفع في اتجاه قتح قنوات حوار سعودية وربما خليجية مع الإيرانيين، وهو الأمر الذي كان قد أشار إليه موقع 180 بوست في 18 آذار/ مارس الماضي. اما اسرائيل، فيبدو انها قررت مواجهة التانغو الأميركي ـ الإيراني؛ فقد أبلغ نتنياهو الإدارة الأميركية في مطلع شهر نيسان/ أبريل الحالي ان اي اتفاق اميركي مع ايران يهدد أمن إسرائيل ولا يراعي مصالحها لا يلزمها بأي شيء. واستقبل بعد ذلك بثلاثة ايام وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن ليضيف على ما سبق، وامام الضيف الأميركي، بأنه لن يسمح لإيران بتهديد وجود اسرائيل من خلال برنامجها النووي. كان جواب وزير الدفاع الأميركي ان اميركا لن تتخلى عن اسرائيل وعن التشاور معها في ما يخص المنطقة، من دون ان يذكر ايران بالإسم. تريد اسرائيل، من اي اتفاق نووي جديد ان يضمن كف الهجمات الإيرانية انطلاقًا من العراق وسوريا ولبنان وغزة والبحر الأحمر، عبر اذرعتها الإقليمية، من جهة، ووضع حد للبرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني، من جهة ثانية، وهو ما ترفض ايران البحث به حتى الآن. وفق “يديعوت أحرونوت”، فإن إدارة بايدن نقلت رسائل غضب إلى حكومة نتنياهو في الآونة الأخيرة (على الأرجح عبر لويد أوستن) عبّرت من خلالها عن استيائها من الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية تعتمد اسرائيل في مواجهتها مع ايران على ثلاثة مرتكزات: أولًا، إضعاف وتعطيل البرنامج النووي الإيراني من خلال الإغتيالات، الهجمات السيبرانية، زرع العبوات وتفخيخ المنشآت، وكان ابرزها قبل تفجير نطنز التخريبي في مطلع نيسان/ أبريل الحالي، الهجوم الإسرائيلي على موقع نووي إيراني في يوليو/ تموز ٢٠٢٠، واغتيال واحد من أهم العلماء النوويين، محسن فخري زاده، في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. ثانيًا، إستهداف أذرعة ايران في سوريا (وإلى حد ما عند حدود العراق الغربية) ومحاولة منع وصول ترسانة الصواريخ الدقيقة إلى كل من سوريا ولبنان، وهي عملية انطلقت بوتيرة متصاعدة منذ مطلع عام ٢٠١٣ وتستمر حتى يومنا هذا. ثالثًا، شن هجمات منذ العام 2019 على السفن الإيرانية التي تحمل النفط والأسلحة الإيرانية عبر البحرين المتوسط والأحمر، أي فتح جبهة حرب بحرية جديدة، عنوانها “الحد من النفوذ العسكري الإيراني في الشرق الأوسط”. ويبدو في “حرب السفن”، ان ايران تتقدم على اسرائيل في البحار. وحسب قول رئيس مركز أبحاث السياسة البحرية والاستراتيجية في جامعة حيفا، شاؤول خوريف، لـ”نيويورك تايمز”، فإنه “على الرغم من فرض إسرائيل وجودها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، إلا أنها تعتبر أقل فعالية في المياه القريبة من إيران، مما يجعل السفن المملوكة لإسرائيل أكثر عرضة للهجمات الإيرانية في طريقها إلى موانئ الخليج العربي”. إقرأ على موقع 180 أوباما والسعودية: إنكسار صداقة عمرها أكثر من نصف قرن (4) ومن السذاجة بمكان افتراض أن قرار ضرب نطنز والسفن الإيرانية، وآخرها “سافيز” في البحر الأحمر، كما كل العمليات التي سبقت، هو قرار أحادي اتخذه نتنياهو لأسباب انتخابية او حكومية بل هو قرار يحتاج إلى موافقات امنية مكتملة الدوائر ومنها موافقة خصم نتنياهو اللدود وزير الدفاع بني غانتس على شن هجمات كهذه. ومن نافل القول ان ضربات كهذه، موجهة لتعديل مسارات التفاوض في فيينا لتشمل الباليستي والحضور الإقليمي، تحمل في طياتها محاولة للضغط على الولايات المتحدة قبل أن تكون موجهة ضد ايران. ووفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ ١٨ نيسان/ أبريل، فإن إدارة بايدن نقلت رسائل غضب إلى حكومة نتنياهو في الآونة الأخيرة (على الأرجح عبر لويد أوستن) عبّرت من خلالها عن استيائها من الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية، في موازاة بدء محادثات فيينا غير المباشرة بين واشنطن وطهران. وقال الأميركيون إن الهجمات الإسرائيلية “تحرجنا وتمس بالمفاوضات”. لا مصلحة للطرفين الإسرائيلي والإيراني بخوض مواجهة شاملة لكن الحروب تحصل أحيانًا نتيجة خطأ أو صدفة وفي التاريخ أمثلة لا تُحصى عن حروب الصدفة.. والأخطاء وذكر موقع “والا” الإسرائيلي أن مسؤول الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات تواصل مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في آذار/ مارس الماضي، وإتفقا على تنسيق جهودهما الإستخبارية في الملف النووي الإيراني. وبحسب الموقع، فقد شدد مستشار الأمن القومي على أن أحد الأهداف المركزية لإدارة بايدن هو منع إيران من حيازة سلاحٍ نووي على مدى سنواتٍ طويلة. وأشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن سوليفان قال في المحادثات إن الولايات المتحدة ملتزمة بالتعامل بشفافية مع إسرائيل في كل ما يتعلق بخطواتها وقرارتها في الموضوع الإيراني، وإنها تتوقع من إسرائيل التعامل كذلك بشفافية معها في كل ما يتعلق بالموضوع الإيراني. لكن المواقف والخطوات العملية تثبت يومًا بعد يوم أن اسرائيل غير مطمئنة لإدارة بايدن وأنها توجه رسائل متتالية مفادها ان اي اتفاق لا تحسب فيه واشنطن حساب مصالح تل أبيب لن يمر، ولو ادى خطأ ما الى اندلاع مواجهات تشمل لبنان وغزة واليمن وسوريا، وصولًا الى ايران وقلب اسرائيل نفسها. وفي الوقت نفسه، يزداد الحديث في الإعلام العبري عن “نتنياهو جديد”، في الآونة الأخيرة. تقول “هآرتس” إن زعيم “الليكود” لم يعد هو نفسه رئيس الحكومة الذي لا يفضل الحروب بل الإلتفافات الدبلوماسية، والسبب هو أن مستقبله الشخصي والسياسي على المحك، الأمر الذي قد يضع إسرائيل فجأة في حالة حرب مع إيران وأذرعتها. لذلك، تتحدث بعض السيناريوهات عن استعداد اسرائيل كما ايران لحرب شاملة تطال كل الإقليم بحيث تتولى اسرائيل، ضرب الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحركة الجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين. بالمقابل، صار محسوماً أن أي مواجهة عسكرية في المرحلة المقبلة، لن تكون بمعزل عن ترابط الساحات (لبنان، سوريا، فلسطين، العراق واليمن)، وهي النقطة التي أشار إليها أكثر من مرة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. من الصعب التكهن سلفًا بما يمكن أن تسفر عنه حرب كهذه لا بل من الصعب افتراضها كخيار، خصوصاً وأن جميع حروب إسرائيل إحتاجت إلى ضوء أخضر أميركي. لا مصلحة للطرفين الإسرائيلي والإيراني بخوض مواجهة شاملة لكن الحروب تحصل أحيانًا نتيجة خطأ أو صدفة وفي التاريخ أمثلة لا تُحصى عن حروب الصدفة.. والأخطاء.