مبارك الطيب الزين
أُثر أن هتلر كان بمقدوره أن يحرق كل اليهود في محارق (الهولوكوست) التاريخية الشهيرة ولكن ترك منهم بقية ليعلم الناس والعالم لما حرقهم، وعطفاً على ذلك ذكر أحدهم أن السودان فصل جنوب السودان ليعلم الناس والعالم لما وافقت الدولة الأم على انفصال جنوب السودان.
العقيدة القتالية الإسرائلية وُضعت على أسس الصهيونية لتنسجم مع مبادئها وتحقيق مخططاتها التوسعية في الأقطار العربية كما العقيدة العسكرية الغربية والشرقية، والعقيدة العسكرية لأي دولة هي تعبير عن نظرتها الرسمية وينبوع منهلها الوجداني والروحي وفي سبيلها تهون النفس البشرية رخيصة لمقاصدها ابتغاءاًَ ومبدأ، وفق عقيدة قتالية يضع الإنسان حداً لحياته فداءاً وتضحية واخلاصاً نيابة عن مجموعة أو عن أمته من أجل مقصد سامي أو غير سامي والاستعداد دائماً للتضحية بالنفس البشرية لتحقيق النصر، فأياً كان مرتكز العقيدة في ذلك صحيحة أم غير صحيحة مادية أيدولوجية روحية جدلية وطنية فبقوة العقيدة وصلابتها وتجذرها الضارب في أعماق الروح المدعوة يتوقف التأثير على معتنقها ومسوقها.
والعقيدة الإسلامية أساس العقيدة القتالية عند المسلمين فعندما قال رسول الله (ص) قوموا لجنة عرضها السموات والأرض قال (عمير بن الحمام الأنصاري) يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم ، قال بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ، قال لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.
رغم ما ساد في فترة الحرب الباردة ما يعرف بالعقيدة الشرقية والعقيدة الغربية إلا أن هذا المفهوم بدأ يتلاشى في الوقت الحاضر وأصبحت أغلب الدول تحرص على إعداد عقائد عسكرية خاصة بها، ومع ذلك ما زالت العقائد العسكرية تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالمعطيات الاستراتيجية، الأمر الذي هدى المفكرين الاستراتيجيين السياسيين والعسكريين يعيدون باستمرار دراسة وتقييم عقائدهم العسكرية ليضمنوا أنها ماتزال صالحه للتطبيق وتحقق أهداف الدولة الدفاعية.
قامت عقيدة بن غوريون القتالية على ضرورة حسم الجيش الاسرائيلي لكل معركة يخوضها ومن الأفضل أن تكون في أرض العدو وهذا ما جرى حتى حرب يوم الغفران. ويقول كلاوزفتز أحد المنظرين العسكريين الإسرائيليين إن الحرب من أعمال العنف، تهدف إلى إكراه الخصم على قبول إرادتنا، وعلى هذا فالعنف هو الوسيلة أما الغاية فهي فرض الإدرادة على الخصم… ونجد إسرائيل قد ذهبت إلى ما ذهبت إليه النازية من إعتناق مبادئ التفوق والعنصرية، وبيجن في كتابه (الثورة) يكشف عن العقيدة الإجرامية واللاإنسانية حيث يقول العالم لا يشفق على المذبوحين، العالم يحترم المحاربين، السياسة هي فن القوة عندما تضرب الفولاذ بمطرقة فإن الجميع يتهيبون صوت الدوي، وعندما تستعمل القفاز فإن أحدا لا يتنبه إلى وجودك، إن الأحذية الثقيلة هي التي تصنع التاريخ، وتعتبر إسرائيل أن خير وسيلة للدفاع الهجوم لذلك العقيدة القتالية الإسرائلية تقوم على الاحتفاظ بمبدأ المبادأة لكي تهاجم العرب في الوقت والمكان المناسبين وهو ما تطلق عليه إسرائيل بالحرب الوقائية، عدم الدخول في القتال على اكثر من جبهة واحدة في آن واحد، نقل المعركة إلى ارض الخصم، السرعة في العمليات وعدم إطالة الحرب، تحقيق التفوق في الزمان والمكان، معركة الأسلحة المشتركة (برية، بحرية، جوية)، الإعتماد في بناء خططها العسكرية على معلومات جيدة بالاستغلال الجيد للاستطلاع الجوي والأرضي والتجسس،الحرص على تحقيق المفاجأة .ومن أهم مبادئ الحرب التي يثبتها الجيش الإسرائيلي: المفاجأة، التعاون، الحشد، السرعة، المرونة.
فالإنتصارات لاتصنعها كثرة الأسلحة الفتاكة وقوتها وعتادها وإنما الإنتصار يصنعه سربال عقيدة الرجال القتالية وتشبعهم بها، فالعقيدة القتالية تعتبر نتاج كافة الأبحاث والخبرات التي تسعى عادة الدولة إلى بلورة وجهة نظرها لتحقيق أمنها القومي وفرض سيادتها وإعلاء كلمتها.
في اليابان في جانب من العقيدة أن الشخص إذا هُزم ينبغى ألا يؤسر يقتل نفسه بالسيف ولا سواه وتسمى (هيرا كيري) قطعاً وطعناً ممسكا بكلتا يديه مقبض السيف من الأمام إلي داحل بطنه و(السيبوكو) يعني تحمل الشخص المسؤولية عن قتل نفسه وهو أسلوب خاص بالساموراي فقط، فقد كانوا يعتقدون ان هذا الاسلوب المخيف هو عمل مشرف وعظيم يبين اسفهم العميق أو لرفقائهم او لتحدي اعدائهم. والإجراءات التي كان يتبعها الساموراي في السيبوكو كالتالي: يكتب محارب الساموراي قصيدة شعرية من نوع الهايكو ويقرأها بصوت مرتفع وبعد قراءة القصيدة الشعرية يأخذ سيفا قصيرا ويخلع الجزء العلوي من ملابسه ثم يقوم بطعن نفسه بالسيف ويقطع منطقة البطن بشكل مستقيم ثم يأتي محارب ساموراي آخر ليقف بالقرب منه ويطقع رأسه بسيف طويل.
وعادة ما تكون للقرارات والمبادرات السياسية التي يعلنها قادة الدول وخاصة العظمى كبير الأثر على السياسات العسكرية للدول. فعلى سبيل المثال، تأثرت كثير من السياسات العسكرية بعدة مبادئ أطلقها الرؤساء الأمريكيين كمبدأ إيزنهاور(Eisenhower Principle ) الذي أعلن في عام 1957م والذي يدعوا إلى التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط لسد الفراغ الأمني هناك ومواجهة الشيوعية، وكذلك مبدأ كارتر (Carter Principle) في عام 1979م والذي ينص على تشكيل قوة انتشار سريع في منطقة الخليج، ومبدأ بوش الابن ( Bush doctrine) في عام 2001 الذي أسس لمفهوم الحرب الاستباقية.
انتهجت العقيدة العسكرية الروسية في العهود القيصرية النهج العدواني نفسه الذي اختطته الدول الإستعمارية لنفسها في العالم وظلت العقيدة القيصرية مهيمنة على الفكر والممارسة في روسيا، حتى قيام الثورة الإشتراكية في روسيا وتحقيقها الإنتصار وتمكنت من إقامة أول دولة ذات عقيدة وأفكار اشتراكية، ثم تلت مرحلة القوانين والقواعد المادية والتاريخية في الجدلية والنظرية الماركسية حول الحرب والجيش واستنتاجات العلم العسكري السوفيتي السابق وتشكل نوع جيش جديد لم يكن مألوفاً من قبل في العالم وهو (الجيش الأحمر).
ويحسب العدو عند المواجهة أيما حساب للرمزية في أمر العقيدة والإيحاءات الملهمة وعملياً نجد ذلك حينما دخل العلوج بغداد العراق تم تدمير تمثال صدام لإعلان نهاية حقبة بكل معقتداتها الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية وكسر التمثال يعني كسر النظام وفض رواسب العقيدة التي تشرب بها المحكومين إن وجدت، وفي السودان ضرب الإنجليز قبة الإمام المهدى لرمزيتها وإحائيتها عندما دخلت جيوش الحكم الثنائي في الثاني من سبتمبر1898م، وفي أفغانستان تدمير تماثيل بوذا. والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لتعدادها.