خاص “لبنان 24”
لم يعد خافيًا على أحد أنّ ثمّة حراكًا روسيًّا نشطًا في لبنان. لعلّ زيارة رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري إلى موسكو، بعد وفد “حزب الله” قبل فترة، توّجته، بل أخرجته من دائرة “جسّ النبض” إلى “الفعل الحقيقيّ”، خصوصًا أنّها تزامنت مع “مطبّات” وقعت فيها المبادرة الفرنسيّة، في ظلّ إصرار واضحٍ على “تعطيلها”.
وقد أوحت “تفاصيل” زيارة رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري بـ”نضوج” المسعى الروسيّ بشكلٍ أو بآخر، وهو ما تجلّى بـ”الحفاوة” التي لقيها “الشيخ سعد” في موسكو، حيث استُقبِل بصفته “رئيس حكومة لبنان”، بمُعزَلٍ عن بعض التفاصيل “الشكليّة”، التي تشبّث بها المتربّصون به لتصوير الزيارة، وكأنّها لمجرّد “شمّ الهوا”، لا أكثر ولا أقلّ.
وجاءت المعلومات التي كشف عنها مطّلِعون على ماهيّة الوساطة الروسية، عن زيارات “مجدوَلة” إلى العاصمة الروسية لعدد من المسؤولين، قد تكون أولها لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، نهاية الشهر الجاري، لتعزّز “الرهانات” على دور روسيّ، يبدو أنّه سيأخذ مداه في الأيام القليلة المقبلة، إن توافرت المقوّمات المطلوبة.
دور روسيّ في الأفق
يتحدّث العارِفون في هذا السياق، عن سلسلة زيارات بدأ الروس يُعِدّون لها، حتى لا تكون زيارة الحريري “يتيمة”، بعد تلك التي قام بها وفد “حزب الله” قبل فترة، ستشمل إلى باسيل، شخصيات أخرى، من بينها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ورئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل، ورئيس حزب “القوات” سمير جعجع.
وبحسب هؤلاء، فإنّ موسكو ستحاول من خلال هذه اللقاءات، الاستماع لمختلف آراء ووجهات نظر القوى الفاعلة على الخطّ اللبناني، من دون أن “تأسر” نفسها بأحكامٍ مسبقة ومبرمة، ومن دون أن تقع في “خطأ” غيرها، عبر “استثناء” طرف من هنا، أو “تكبيل” طرف من هناك، لعلّها تنجح بذلك في اكتشاف “المَخارِج” المناسبة، التي من شأنها أن تفضي إلى الحلّ المطلوب، من دون أن “تُحرِج” أحدًا بالضرورة.
وإذ ينفي العارفون أن تكون الوساطة الروسية المفترضة، إن كُتِب لها أن تخرج إلى الساحة، منسَّقة مع أيّ مبادرة أخرى، يشيرون إلى أنّ عناوينها لا بدّ أن “تتقاطع” وتتلاقى مع الأفكار التي يطرحها المجتمع الدولي منذ اليوم الأول، لجهة وجوب الاتفاق على حكومة اختصاصيّين تضع نصب أعينها تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، بما يسمح بـ”تحرير” المساعدات الدولية الموعودة للبنان، منذ ما قبل مؤتمر “سيدر” الشهير.
“المكتوب يقرأ من عنوانه”
ولكن، وفق مبدأ أنّ “المكتوب يُقرَأ من عنوانه”، ثمّة من يرى أنّ الحراك الروسي لن يكون أكثر من “استنساخ” للمبادرة الفرنسيّة، لأنّ الأخيرة وضعت ببساطة أساس الحلّ، الذي ارتضى به جميع الأفرقاء واتفقوا على عناوينه، قبل أن “ينقلبوا” عليها في الممارسة والتطبيق، عبر التمسّك بثلث معطّل من هنا، وحقيبة دسمة من هناك.
ولعل “عناوين” هذا الحراك ظهرت، في زيارة رئيس الحكومة المكلَّف إلى روسيا، والتي لم تأتِ برأي كثيرين “مُرضية” لطموحات “العهد”، خصوصًا أنّها كرّست الحريري رئيسًا “أوحد” للحكومة، بل شرّعت صفته التمثيلية من دون أن يكون قد شكّل حكومة، في وقت لا يزال المحسوبون على “العهد” يطرحون على كلّ مفاوضيهم وجوب “تغيير” الرئيس المكلَّف، بذريعة أنّ لا مجال لـ”التعايش” معه، فضلاً عن كونه لا يلبّي بشخصه شرط “الاختصاصيين”.
إلا أنّ هناك من يعتقد أنّ الحراك الروسي قد يحظى بـ”فرصته”، انطلاقًا من العلاقات المميّزة التي تجمع موسكو بمختلف الأفرقاء، خصوصًا أنّ علاقة موسكو بـ”حزب الله”، كما برئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه الوزير باسيل، لا تشوبها شائبة، وبالتالي فقد يكون لها من “المَوْنة” ما يكفي للنجاح حيث عجز غيرها، وإن كان مثل هذا الرهان يبقى برأي كثيرين “بعيد المنال”، بل “طوباويًا” إلى حدّ كبير، وبالتالي بعيدًا عن الواقعيّة المطلوبة.
قد لا يُرتجى الكثير من الحراك الروسيّ، ولو توافرت له المقوّمات المطلوبة، ليس لأنّ موسكو غير قادرة على تقريب وجهات النظر، ولكن لأنّ “مفتاح الحلّ” ليس بيدها، وفق ما يرى كثيرون، سواء من أصحاب نظرية العقدة الداخلية أو الخارجية، علمًا أنّ كلمة السرّ تبقى هي هي، أياً كانت طبيعة المبادِر، وهي أنّ اللبنانيين وحدهم القادرون على فرض الحلّ، إن وُجِدت الإرادة ذلك، وهي ليست موجودة حتى اليوم…