“نعم، القضاء في لبنان صار مشرشحاً”، هي عبارة كان ردّدها رئيس المجلس الدستوري السابق الدكتور عصام سليمان في حديث له مع “نداء الوطن” بتاريخ 18 آذار الماضي، واستحضرها مُجدّداً اليوم مع اضافة كلمتين: “وبزيادة اكتر”، وذلك في معرض تعليقه على المشهد القضائي المستجدّ والتطورات التي تسارعت على الجبهة القضائية، وعلى نحو “فاقع”.
فالمشهد المستجدّ لم يفاجئه، والنتيجة في نظره “كانت متوقّعة في ضوء ممارسات بعض القضاة”، من دون أن يسمّي أي طرف، فكلامه اليوم ليس “لتزكية أي طرف ضدّ طرف آخر”، بل هو منطلق “من منظار واقعي وقضائي بحت”، والأزمة في اعتقاده “قد تطول”، وهذا ما يدلّل “على سوء إدارة المرفق القضائي من قبل المسؤولين عن القضاء”.
القضاء يراه سليمان اليوم “في أزمة”، بعد صدور قرار عن مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات في حق المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون و”قد رفضت تبلّغه”، وهذه المشكلة في نظره هي “أصعب وأعقَد من مشكلة تأليف الحكومة، وانا لا أرى أي مخرج لها”، ويستبعد في الوقت نفسه “أن يجد التفتيش القضائي أي حلّ لها، بعدما أحالت وزيرة العدل ماري كلود نجم الملفّ عليه، علماً أنّ موقفها سليم، فلا سلطة لها على القضاة لأنّ القضاء مستقلّ، وهي تمارس صلاحياتها ضمن الحدود التي يسمح بها القانون، لكن التفتيش القضائي كان يجب عليه الّا يسمح بأن تصل الامور الى ما وصلت اليه اليوم”.
ويقول سليمان: “صحيح أنّ هناك قضاة ممتازين لكنّهم مهمّشون، وكثر منهم يفكّرون بترك العمل القضائي والهجرة، لكن ايضاً هناك قضاة بهدلوا أنفسهم كما بهدلوا المؤسسة القضائية بسبب أدائهم”.
ويستغرب سليمان “كيف أنّ القضاء لم يتمكّن من أن يحاكم فاسداً واحداً، بعد هذا الكمّ الهائل من الفساد المستشري في بنية الدولة، علماً ان الفساد هو حديث الناس اليوم وحديث الموفدين الاجانب والعرب، وعنوان “بهدلة” الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمسؤولين بعد ربطه المساعدات الخارجية للبنان بتنفيذ الاصلاحات”؟؟ كذلك يتساءل: “هل جرت متابعة ملفّ فساد واحد ما حتى النهاية بعد فتحه”؟ وهنا يذكر سليمان بأنّ هذا السؤال طرحه ايضاً عليه الخبير الدستوري الفرنسي الأستاذ دومنيك روسو، خلال زيارة قام بها الى المجلس الدستوري خلال توليه رئاسة المجلس.
ويرسم سليمان “علامات استفهام كبيرة حول القضاء” ويسأل: “اين ذهبت اموال المودعين؟ ومن نهب المال العام؟ ومن هرّب الاموال الى الخارج؟”.
ويشدّد على وجوب “أنّ يضع مجلس القضاء الاعلى الامور في نصابها، على نحو يعيد للقضاء حدّاً أدنى من هيبته، علماً أنني لا أرى أي حلّ في ضوء المعطيات الراهنة، خصوصاً بعدما دخلت العملية في اطار التجاذبات السياسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري”.
ويلفت سليمان الى أنّ ولاية مجلس القضاء المؤلف من 10 اعضاء تنتهي في نهاية ايار، وعندها لا يستطيع المجلس الاجتماع والتقرير بفِعل فقدان النصاب، وانتهاء ولاية 7 اعضاء من اصل 10 لأنّ رئيس مجلس القضاء سهيل عبود ومدّعي عام التمييز غسان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد معيّنون حكماً بمرسوم. كذلك فإن تعيين القضاة المنتهية ولايتهم يتطلّب انعقاد مجلس وزراء، وهو أمر غير متاح في ظلّ عدم تأليف الحكومة”.
ويوضح سليمان اخيراً أنّ المجلس الدستوري منفصل عن القضاء وليس لديه أي دور امام ما يجري، فدوره يقتصر على النظر في دستورية القوانين التي يضعها مجلس النواب.