عن الحكومة المستحيلة وسط تراكم الأزمات
بات بحكم المؤكد ان الحكومة صارت في آخر الاهتمامات. في الأساس يصعب وسط الأزمة المستحكمة ان نشهد تفاهماً على حكومة. على ان كل تأخير في تشكيلها يفاقم الأزمة ويزيدها. بات البلد مأزوماً على كل المستويات ولم تعد الحلول البسيطة تنفع، ولا الحلول الوسط. رغم كل ما يجري لا مبادرة قادرة على الخرق. بخجل تتحرك المساعي المتصلة بتشكيل الحكومة. كلما فرِجت في مكان تعرقلت في آخر. لم يعد سراً ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يرغب بالرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة، لأن الاخير ينتظر كلمة مرور من ولي العهد السعودي الذي يرفع في وجه ترؤسه للحكومة بطاقة حمراء، وقد يكون عون دخل في مرحلة جوجلة للأسماء البديلة تحسباً لأي طارئ. في المقابل بات واضحاً ان الحريري مقيد بتشكيل الحكومة أو ممنوع عليه تشكيلها. كل سلوكه يؤشر الى ذلك.
مصدر نيابي معني بالاتصالات المتعلقة بتشكيل الحكومة يجزم ان لا شيء جديد ابداً، حتى نظرية 888 لم يتمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري من اقناع الحريري بها، بدليل ان الرئيس المكلف لم يتحرك على اساسها باتجاه بعبدا وانما غادر ولديه ارتباطات في الخارج.
ولكن هذا لم يمنع ان صيغة الحكومة من 24 وزيراً مؤلفة من 888 لا تزال قيد التداول. طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري يحاول “حزب الله” اقناع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بتبنيه، وخلال لقائه الاخير مع رئيس وحدة الارتباط وفيق صفا بحث الرجلان ملياً بتفاصيل صيغة هذه الحكومة. واستفسر باسيل عن الجهة التي ستسمي الوزراء المسيحيين المتبقين طالما ان لرئيس الجمهورية، حسب الصيغة المطروحة، خمسة وزراء وللأرمن وزير واحد وللمردة وزير، فمَن الجهة التي ستسمي بقية الوزراء في حكومة من 24 وزيراً يفترض انها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين؟ وهل الوحدة الوطنية تمارس على الحصة المسيحية فيما يمنع المس بحصة الآخرين؟ هنا يقع في صلب المشكلة مع باسيل الذي يرفض ان يحتسب تمثيل وزير مسيحي من حصة رئيس الحكومة او الثنائي الشيعي، بينما يمنع على رئيس الجمهورية ان يحتسب له في سياق حصته وزير سني او شيعي. المقصود بالتمثيل المسيحي هنا التمثيل السياسي ايضاً وليس الطائفي فحسب. اسئلة كثيرة واستفسارات طرحها رئيس “التيار” الذي ختم حديثه مع صفا بعدم رفضه لصيغة 888، لكنه أصر بالمقابل على عدم مشاركة “التيار” او منح الثقة للحكومة في مجلس النواب. وفي ظل غياب تمثيل “التيار الوطني” او “القوات” و”الكتائب” يعني استحالة تشكيل حكومة من دونهم. البحث لم ينته بالصيغة المتداولة بعد ومصادره المقربة تقول ان رئيس “التيار”، الذي ستكون له اطلالة قريبة، سيبدي انفتاحاً وايجابية تجاه الحكومة، من شأنها ان تدفع باتجاه انضاج المساعي من دون الافصاح عن تفاصيل اضافية.
اذاً، كلما حلت عقدة برزت عقدة اخرى في مكان آخر، وسط ضبابية المبادرات الخارجية. فروسيا التي دخلت في خلاف مع الاميركيين تمارس نوعاً من الديبلوماسية والعلاقات العامة ومحاولة الانفتاح على كل الاطراف في لبنان، مع “حزب الله” بحثت موضوع سوريا واليمن وعرضا للحكومة، ومع الرئيس المكلف بحثت في امكان فك القيود التي تعرقله وسبل اعادة علاقته مع السعودية. وتجزم اوساط مطلعة على الموقف الروسي ان لا مبادرة روسية ولا وساطة، فقط مجرد استطلاع رأي، أما الفرنسيون فقد حيّرت ضبابية موقفهم الجهات التي يستمرون في التواصل معها، احياناً يظهر الجانب الفرنسي اندفاعة قوية باتجاه تشكيل حكومة لكن سرعان ما ينكفئ بانتظار نتائج المفاوضات مع ايران.
المعطى المستجد الذي يمكن البناء عليه هو ما كشف النقاب عنه من اجتماعات ايرانية سعودية انطلقت منذ فترة بمسعى من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يقدم نفسه كوسيط. للبلدين مصلحة في التلاقي يتقدمها أمن الخليج والوضع في اليمن. مجرد اللقاء ستكون له انعكاساته الايجابية على المنطقة، يقول مطلعون عن قرب على هذا الملف، ويستبعد هؤلاء ان تكون له ارتدادات بالضرورة على مسألة تشكيل الحكومة. لكن مجرد ان يعاودا البحث في الملفات المشتركة ربما يكون فاتحة خير للبنان.