رواية السنيورة عن النقطة 23: يريدون إقامة شبعا “sur mer”

 

إيلي القصيفي – أساس ميديا

في حمأة السجال المحموم حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ولاسيّما بعدما “جمّد” رئيس الجمهورية ميشال عون توقيعه على مرسوم تعديل مساحة المنطقة البحرية المتنازَع عليها مع إسرائيل، أكّد الرئيس فؤاد السنيورة أنّه “إذا كان لدى لبنان ما يؤكّد أحقيّته في المساحة الإضافية التي يطالب بها، يجب أن نتمسّك بها، لكن أن يكون ذلك كلّه كلاماً غير مسؤول، فهذا أمرٌ ينطوي على مخاطرة كبرى، إذ يدفع بالمفاوضات سنوات إلى الأمام بينما لبنان يستطيع أن يحصل على ما كان قد طلبه الآن…”، وقال: “لا يمكن معالجة موضوع بهذه الأهمّية بخفّة من هذا النوع”.

وسأل السنيورة في ندوة عبر تقنية “zoom” نظّمها “المركز اللبناني للبحوث والدراسات (LCRS Politica)”: “لماذا لم يوقّع الرئيس عون المرسوم؟”. وأعرب عن اعتقاده أنّ “رئيس الجمهورية يحاول أن يصيب أكثر من هدف بعدم توقيعه على المرسوم المعدّل، فهو يُشغل الحكومة و”يمرّك” على الرئيس المكلّف سعد الحريري من جهة، ويقول للأميركيين إنّه يمسك بورقة الترسيم، فاحكوا معي أو احكوا مع الصهر، من جهة أخرى”.

وقد بدأ حديثه بسرد مجريات تحديد خطّ الوسط بين لبنان وقبرص: “سنة 2006 تواصلت الحكومة القبرصية مع الحكومة اللبنانية لتحديد خط الوسط بين قبرص ولبنان، وقد تحدّد هذا الخط  في 17 كانون الثاني 2007. أمّا إسرائيل فلم يكن ممكناً التفاوض معها لتحديد النقطة الثلاثية في الجنوب، وبالنسبة إلى تحديد النقطة الثلاثية في الشمال فقد كان النظام في سوريا يرفض التواصل معنا. فاضطررنا حينذاك إلى أن نكتفي بتحديد ستّ نقاط في خط الوسط، وبادرنا مباشرة إلى وضع النقطة الثلاثية، كما نراها نحن، سواء في الجنوب أو في الشمال. وهكذا وُضعت هاتان النقطتان. ولم يقم بهذه الخطوة فؤاد السنيورة، فلست أنا صاحب الخبرة في هذا الأمر، ولكن أنشأت لجنة فيها عشرة موقّعين، منهم أربعة من قيادة الجيش. هؤلاء هم الخبراء في هذا الموضوع، وكانت التعليمات المعطاة لهم: you have to be the most aggressive (يجب عليكم أن تكونوا هجوميّين إلى أقصى حدّ) لتحديد النقطة 23. وحدّدنا أيضاً النقطة 7 مع الجانب السوري أحاديّاً، على أساس أنّ هذا الأمر طبيعي، وعندما يحين أوانه يمكن أن نصل إلى اتّفاق في شأنه”.

وأضاف: “إبّان ولاية حكومتي الثانية، وتحديداً في 30 كانون الأول 2008، تألّفت لجنة ثانية لتحدّد الحدود ولتؤكّد خط الوسط والنقطتين الثلاثيّتيْن. أصدرت هذه اللجنة تقريرها في 29 نيسان 2009. وللتذكير، فقد كانت هذه الحكومة كاملة وليست بتراء، كما كانوا يصفون حكومتي الأولى تجنّياً، فالجميع كانوا فيها. وقد أقرّ مجلس الوزراء التقرير الصادر عن اللجنة في 13 أيّار 2009. ثمّ أودعت حكومة الرئيس سعد الحريري النقاط 23 و7 لدى الأمم المتحدة. وفي 17 شباط 2010، وقّعت إسرائيل اتفاقاً مع قبرص (بشأن حدودهما البحرية)، وقد ادّعت قبرص أنّها حاولت حينذاك أن تتواصل مع الحكومة اللبنانية، ولكنها لم تتجاوب معها. وهذا الكلام القبرصيّ غير مسؤول لأنّ الاتفاق بيننا يحتّم عليها استشارتنا في حال أرادت عقد اتفاق مع إسرائيل. وجرى أيضاً اتفاق بين قبرص ومصر وبين إسرائيل ومصر. وفي 12 تموز 2012، أي بعد مرور سنة كاملة على إيداع لبنان نقطتيه لدى الأمم المتحدة، رسّمت إسرائيل حدودها استناداً إلى النقطة على خط الوسط. فما كان من لبنان إلّا أن اعترض على هذا الأمر معزِّزاً موقفه بدراسة صدرت في 18 آب 2011 تبيِّن أنّ ما فعله لبنان دقيق. وفي الأوّل من تشرين الأوّل 2011، أصدرت حكومة الرئيس ميقاتي قراراً ثانياً أكّد صحّة الترسيم اللبناني في 18 أيّار 2009. وفي 11 أيّار 2012 أكّدته حكومة الرئيس ميقاتي للمرة الثالثة. وما جرى كان بالاستناد إلى عمل اللجان التي شارك فيها ثلاثة ضباط من الجيش اللبناني. وإذا بهم يُخرجون فجأة حكاية النقطة 29، وقد كان الحديث في شأنها غير جدّي إلى أن ذهب الوفد اللبناني إلى المفاوضات في الناقورة، حيث اجتمعوا ثلاث مرّات، ثمّ في المرّة الرابعة قالوا “لا، نحن نطالب بالنقطة 29″، وهو ما كان مدعاة لتعليق تلك المفاوضات”.

وتابع السنيورة: “لنكن واضحين. عندما يُظهِر لبنان ما يؤكّد صحّة موقفه بشأن النقطة 29، فلو كان الناقص سنتيمتراً واحداً، يجب عدم التخلّي عنه. لكن أن يكون ذلك كلّه لأغراض سياسيّة داخلية أو من أجل افتعال مشكلات، ولا سيّما بعدما قال الرئيس السوري بشار الأسد إنّ مزارع شبعا كلّها سورية، عندئذ يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: هل من محاولات لإقامة “شبعا sur mer”؟ إذا كان لدى لبنان ما يؤكّد أحقيّته في المساحة الإضافية التي يطالب بها، يجب أن نتمسّك بها، لكن أن يكون ذلك كلّه كلاماً غير مسؤول… لا يمكن معالجة موضوع بهذه الأهمّية بخفّة من هذا النوع. لقد تحدّث لبنان مع الأميركيين، وجاء المبعوث الأميركي فريديرك هوف سنة 2012، وحدّد الخط بين النقطة 1 و23، وقبل به لبنان ثمّ تراجع عنه في نهاية المطاف. لذلك أعتقد أنّ عدم توقيع الرئيس ميشال عون مرسوم تعديل الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية هو مدعاة للتساؤل”.

“شو عدا ممّا بدا؟”

وأشار السنيورة إلى أنّ “في عهد حكومة تصريف الأعمال الحالية وقّع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة 200 قرار باعتبار أنّ هذه القرارات سيؤكدها مرّةً ثانيةً مجلس الوزراء الجديد، وبعض تلك القرارات يكتسب أهمية مرسوم تعديل المرسوم 6433، “فشو عدا ممّا بدا؟ أمس صدر خبرٌ يفيد أنّ رئيس الجمهورية يحاول أن يؤخّر هذا الموضوع بانتظار نتيجة زيارة المندوب الأميركي ديفيد هيل. فإذا كان رئيس الجمهورية جدّياً فليوقّع هذا المرسوم ويعاد تأكيده في مجلس الوزراء. لماذا لم يوقّع عليه؟ أنا أعتقد أنّ هذا السؤال يجب أن يوجّه إلى الرئيس عون. ولكن أراد أن يقول للأميركيين إنّه يمسك بورقة الترسيم، “فاحكوا معي أو احكوا مع الصهر”، من جهة أخرى. (رئيس تيار “المردة”) سليمان فرنجية قال إنّ كلّ ما يجري في هذا الشأن يدخل في سياق الصراع على رئاسة الجمهورية، وما يزيد الشكوك هو كون هذا الأمر ظهر فجأة الآن بعد 8 أشهر على بدء الحديث عن النقطة 29. نحن على حق؟ لا أعرف، يجب أن نثبت ذلك لا أن ننجرف في الشعبويّات. فإذا كنّا واثقين من هذا الأمر، فسيقف اللبنانيون جميعاً، وأنا أوّلهم، وراء هذا القرار، وأمّا إذا كنّا غير واثقين فسنكون بذلك قد استخدمنا موضوعاً في غاية الأهمية في مناكفات رئاسية لإحراج فلان وعلّان. وهذا أمر ينطوي على مخاطرة كبيرة. فإذا كان لبنان يستند في هذا الموقف إلى موقف قانوني نستطِع حينذاك أن ندافع عن مطالبة لبنان بالنقطة 29. أمّا إذا كان المقصود من تعديل المرسوم 6433 زيادة قوة لبنان التفاوضية لنعود ونقبل بالنقطة 23، كما قالوا هم، فهذا موضوع فيه خفّة في التعامل مع أمور في منتهى الدقّة. وإن لم نكن متأكّدين أنّ لدينا الحقّ بهذه المساحة الإضافية فسنؤخّر المفاوضات لسنوات وسنوات، بينما الآن نستطيع أن نحصل على ما نريد”.

 

Exit mobile version