حسن فحص -أساس ميديا
في موقف غير مسبوق، دخل المرشد الأعلى للنظام الإيراني مباشرة على خطّ الانتخابات الرئاسية، بالنصيحة الواضحة والمباشرة التي قدّمها للسيّد حسن أحمد الخميني، حفيد مؤسّس الثورة الإمام الخميني، بعدم دخول السباق الرئاسي انطلاقاً من رؤية المرشد، التي تنطلق من “عدم وجود مصلحة” للحفيد والنظام في أن يكون من بين المرشّحين أو أحد المشاركين في بازار الانتخابات المقبلة.
ويُسجّل للمرشد أنّه لم يعلن قطّ موقفاً واضحاً مؤيّداً أو معارضاً لمشاركة شخصيةٍ ما في الانتخابات الإيرانية، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو حتّى بلدية. فبينما يحتفظ بموقفه بعيداً من التداول أو العلنيّة، يبقى على مسافة من المرشحين بحيث يكون قادراً على التعامل معهم من موقعه الإرشادي بغضّ النظر عن توافقها مع إرادته أو اختلافها. حتّى موقفه من إمكان عودة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد إلى الحياة السياسية من بوابة السباق الرئاسي لم يكن موقفاً مباشراً، إذ اكتفى بتوجيه نصيحة لكل الشخصيات، التي سبق أن رفض مجلس صيانة الدستور أهليّتها وصلاحيتها في الانتخابات السابقة، بعدم الترشّح لأن الموقف منها لن يتغيّر أو يتبدّل، وهو ما أكّده المجلس بإعلان نيّته رفض أهلية كلّ مرشح لم يعبر من مصفاته في السابق.
انطلاقاً من هذا المعطى، يمكن القول إنّ بازار الأسماء المرشّحة للانتخابات الرئاسية سيُفتتح من دون مشاركة الخميني الحفيد، وأيضاً من دون محمود أحمدي نجاد. على الرغم من إصرار الأخير على المضيّ في تقديم أوراقه لإحراج النظام ومؤسّساته وتحميلها عبء رفض ترشّحه المتوقّع مع نهاية شهر أيّار المقبل. ولا تتحدّث المؤشّرات حتى الآن عن إمكان مشاركة الرئيس الأسبق محمد خاتمي في هذا السباق لكون المؤسسات السلطوية في النظام لا تزال متمترسة خلف موقفها السلبيّ منه وتتّهمه بالوقوف وراء الأحداث التي شهدتها إيران عام 2009، أو ما يُعرف بـ”الحركة الخضراء” في “عام الفتنة”، كما أطلق عليه. وهو إعلان قد يزيد موقف الجماعات الإصلاحية تعقيداً، خصوصاً أنّهم سيكونون بأمسّ الحاجة إلى شخصية مثل خاتمي لتمثّلها في المعركة الرئاسية بعد خسارتها السهلة لمرشّح الإجماع حسن الخميني بعدما كانت تراهن عليه في خوض السباق الانتخابي.
أزمة الإصلاحيين
هكذا تبدو أزمة المعسكر الإصلاحي أكثر تعقيداً وأشدّ صعوبةً في التوصّل إلى اتفاق على شخصية تكون قادرة أوّلاً على ملء الفراغ، وثانياً على إقناع الناخبين بضرورة المشاركة والتخلّي عن مقاطعة صندوق الاقتراع. هذا على الرغم من مظاهر الانسجام والتنسيق العالي الذي يظهر بين قوى وأحزاب المعسكر الإصلاحي استعداداً للانتخابات الرئاسية. على العكس من المعسكر المحافظ، الذي لم يستطع حتى الآن التوصّل إلى صيغة توافقية بين جناحيْه “الصمود” و”الوحدة”، والذي تتعدّد بين صفوفه الأسماء الطامحة إلى خوض هذا السباق والوصول إلى رئاسة السلطة التنفيذية.
وتزداد أزمة القوى الإصلاحية تعقيداً، مع عودة الحديث والجدل الداخلي بين صفوفها عن إمكان الذهاب إلى اعتماد خيار تبنّي مرشح من خارج صفوفها، يكون نقطة توافق بينها وبين قيادة النظام أو الدولة العميقة. خصوصاً في ظل أزمة مماثلة يعيشها المعسكر المحافظ الذي يفضّل عدم الزجّ بأسماء قد تشكّل فرصة سهلة للفوز بالسلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية، لكن على حساب الموقع الذي تشغله حالياً، ومن بينها إبراهيم رئيسي في السلطة القضائية الذي يعتبر أوفر حظّاً من غيره، ومحمد باقر قاليباف في السلطة التشريعية – البرلمان. وهما يمتلكان القدرة على تجيير أصوات القاعدة الشعبية للمحافظين لصالحهما، في حين لا يمتلك مرشحون آخرون هذه القدرة على التجيير. مثل سعيد جليلي الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، وآخرون من المؤسسة العسكرية. ويُضاف إلى ما سلف أنّ الأصوات، التي يتنافس عليها مرشّحو المعسكر المحافظ، لا تتعدّى قواعدهم الشعبية. فيما هم غير قادرين على إقناع شرائح المجتمع الأخرى، ولا سيّما الشرائح ذات الميول الإصلاحية أو الرمادية، في الاقتراع لصالحهم. وهو ما يمنع الهدف، الذي يسعى وراءه المرشد الأعلى، من التحقّق، وهو رفع نسبة المشاركة الشعبية إلى أعلى مستوى لكي تكون هذه الانتخابات استفتاءً على شرعية النظام.
ما يشغل الإصلاحيين في ما تبقّى من أيام قبل موعد الترشيحات، هو إبعاد أعباء فشل حكومة الرئيس حسن روحاني عن كاهلهم، والتنصّل من الأخطاء التي شابت إدارة الملفّات الداخلية، وتحديداً الاقتصادية منها. وهو مسار يبدو مكلفاً وغير واضح النتائج، خصوصاً أنّ أسماء بارزة من مرشّحي هذا التيار كانت شريكة أو جزءاً من إدارة روحاني وتتحمّل شعبياً مسؤولية ما آلت إليه الأمور والتردّي الذي أصاب الحياة اليومية للمواطنين الإيرانيين ومعيشتهم وأوضاعهم الاقتصادية.
ظريف المتردّد
كلّ هذا الفشل قد ينعكس سلباً على قدرة الإصلاحيين على استنهاض الشارع وتحريكه للمشاركة الواسعة التي تضمن لهم إحداث التغيير الذي يتطلّعون إليه ويسهّل فوز مرشّحهم بالرئاسة. لذا بات الحديث عن خيارات من خارج التيار الإصلاحي موضع بحث وجدل داخل هذا المعسكر.
أبرز الخيارات تدور حول شخصيّتين أساسيّتين، هما الرئيس السابق للبرلمان ومستشار المرشد الأعلى علي لاريجاني الذي لم يعلن بعد نيّته دخول السباق الرئاسي، ووزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف الذي ما زال يرفض الدخول في هذا البازار. وذلك لِما لهاتين الشخصيّتين من قدرة على توفير الأرضية اللازمة للتوصّل إلى صفقة مع قيادة النظام من منطلق اعتبارهما شخصيتين توافقيتين قادرتين على تحقيق شروط الطرفين. والسبب أنهما قريبين ويمثّلان القيادة ويحملان توجّهاتها في الإدارتين السياسية والاقتصادية ورؤيتها حول التحوّل الاستراتيجي. وهما ليسا صداميّين مع القوى الإصلاحية ويسهل تسويقهما داخل قواعدها الشعبية، فيشكّلان بذلك تسوية تضمن لجميع الأطراف الوصول إلى الأهداف التي تريدها، إن في المشاركة الواسعة التي تتجاوز القواعد المحافظة وتعزّز شرعية النظام الشعبية، أم في الشراكة السياسية في السلطة.