كمال ذبيان- الديار
ليست المرة الاولى التي يوجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انتقادا علنيا ومباشرا للرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، فبعد وصفه بـ «الكاذب» اعلن قبل ايام بأنه «يشم الهوا» في تسخيف لزياراته الخارجية اذ تزامن استهزاء الرئيس عون بالحريري في اثناء وجوده في موسكو التي لم يلتق فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو على بعد امتار من الكرملين بل اقتصرت لقاءاته على رئيس الحكومة ميخائيل ميشوستين، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ومساعده لشؤون الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف، وهذا ما حدث مع الحريري في زيارته الى باريس قبل اشهر فقابله الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون من دون استقبال رسمي واعلام بل بيان صدر عن المكتب الاعلامي للحريري وهو الامر نفسه عندما يزور ابو ظبي وان الاستقبال الوحيد كما كان في لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
فالحريري كما وصفه الرئيس عون ينطبق عليه القول الشعبي «شمام هوا قطاف ورد» لكنه في زياراته لا يقطف سوى الخيبات كما تصفها اوساط القصر الجمهوري التي تقر بأن التواصل مقطوع مع الرئيس المكلف الذي لو جال العالم كله فإن مرجعه رئيس الجمهورية شريكه الدستوري في تشكيل الحكومة والذي لن يأخذ احد منه توقيعه على مراسيم حكومة ليس هو صانعها مع الرئيس المكلف سواء كان الحريري او غيره لان زمن الماضي تحول عندما كان يؤتى بالمراسيم ويبصم عليها بعض من مر على قصر بعبدا.
فلا يفيد «شم الهوا» الرئيس المكلف وهو لم يحصد من زياراته المكوكية شيئا طالما انه يتجاهل ملاحظات رئيس الجمهورية وهي باتت معلومة تقول الاوساط وتتلخص بأن تكون الحكومة ميثاقية ومتوازنة وصاحبة مهمة انقاذية تبدأ في معرفة اسباب هذا الانهيار لمعالجته، والمسودة التي قدمها الحريري، لا تعكس المعيار الدستوري الذي وضعه الرئيس عون الذي منذ البداية اتفق مع الرئيس المكلف على شكل الحكومة ولم يكن يطرح ما يعرقل الولادة وقد نفى مرات عدة ما كان يقال ويسرب بأنه يريد الثلث الضامن في الحكومة ليتبين ان الحريري يسعى له ولكن بأسلوب اخر اي بالحصول على النصف زائدا واحدا في الحكومة التي رست على 24 وزيرا بعد مبادرات واتصالات داخلية لحلحة العقد.
لذلك لا يبدو ان حكومة «شم الهوا» ستولد في فترة قريبة وان محاولة الحريري كسب الوقت لمزيد من الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي وتحميل عهد الرئيس عون مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع فانه يخطئ في القراءة لان الحكومة كسلطة اجرائية هي صاحبة القرار وليس رئاسة الجمهورية وهذا هو الدستور الذي لم ينص على النظام الرئاسي بل برلماني او نيابي وبات رئيس الحكومة في دستور ما بعد اتفاق الطائف، يسمى من قبل النواب في استشارات ملزمة يخضع لها رئيس الجمهورية وفق ما تؤكد الاوساط وان من يسقط او يستقيل هي الحكومة وليس رئيس الجمهورية المحددة مدته في الدستور بست سنوات وكذلك رئيس مجلس النواب اما الحكومة فتعتبر مستقيلة اذا استقال رئيسها او استقال الثلث زائدا واحدا من اعضائها او حجب مجلس النواب الثقة عنها وحصل مع الحريري، انه عندما قدم وزراء حركة «امل» و»حزب الله» و»التيار الوطني الحر» والوزير الملك عدنان السيد حسين استقالاتهم اعتبرت الحكومة مستقيلة حكما ويخشى الحريري ان يتكرر الامر ثانية معه كما حصل مطلع عام 2011 اثناء زيارته واشنطن ولقائه الرئيس باراك اوباما.
من هنا فإن التباعد في الافكار بين الرئيسين عون والحريري قائم بسبب وباء الطائفية التي يلجأ اليها من هم في السلطة لاستخدامها لمصالحهم اولا ثم لشعبوية بائدة لا قيمة لها في زمن بات اكثر من نصف الشعب اللبناني فقيرا والاقتصاد مشلولا، والبطالة تتفاقم، والليرة اللبنانية تتآكل قدرتها الشرائية والمبادرات الداخلية والخارجية للانقاذ تتعثر، اذ ترى مصادر سياسية في موقع المعارضة للنظام السياسي بأكمله بأن لا حل في ظل هذا الوباء الطائفي والمذهبي المصاب به اولا المواطن اللبناني الذي اقنعه زعيمه الطائفي بأن خصمه السياسي هو من تسبب له في مصائبه ويقدم نفسه ملاكا أليس هذا ما يعلنه يوميا من تسلموا مواقع المسؤولية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف وانسحاب القوات السورية في تجهيل الفاعل.
فالمسألة متوقفة على المساءلة والمحاسبة وقد فتح الرئيس عون ملف التدقيق المالي الجنائي، ولن يقفله كما تقول اوساط، وهنا بيت القصيد لان من اسقط حكومة حسان دياب الذي بادرت الى هذا التدقيق وعادت بالحريري رئيسا مكلفا، لن تقبل ان يكون من مهام الحكومة هذا التدقيق لمعرفة اين هدر مبلغ 85 مليار دولار، ولمن صرف وهو من اموال المودعين اذ تنقل هذه الاوساط ان الصدام هو من صلب المبادرة الفرنسية واحد بنود الاصلاح الذي هو مطلب الشعب اللبناني كما مراكز القرار الاقليمي والدولي وكشرط المساعدة.
فالحكومة لن تولد الا في القصر الجمهوري مهما زاد الرئيس الحريري من «شم الهوا» يخطئ اذا اعتبر بأنه يستهلك الوقت وسيبقى رئيسا مكلفا حتى نهاية العهد الذي لن يقبل الرئيس عون وفق الاوساط بان يستمر تعليق تشكيل الحكومة الى ما لا نهاية.
ولم يعط الدستور مهلة محددة للرئيس المكلف للتأليف وهذه ثغرة وقع فيها من كانوا في الطائف فكما لم يعطوا مهلة للرئيس المكلف فإنهم ايضا لم يمنحوا مهلة لرئيس الجمهورية بالدعوة الى استشارات نيابية ملزمة لحسابات طائفية لانه النظام السياسي.