نهاية غادة عون
محمد بركات -أساس ميديا
لم يسبق أن ضُرِبت هيبة القضاء في لبنان كما ضربتها القاضية غادة عون. حتّى في عزّ الاحتلالات والوصايات والحروب التي مرّت على لبنان، لم يكن القضاء مطيّة سياسية في يد شخص واحد، كما هو في عهدها وتحت يدها وبسبب قراراتها وسلوكياتها.
لم يسبق في تاريخ القضاء اللبناني أن رُفعت 6 دعاوى جزائية على قاضٍ، ولم يسبق في تاريخ القضاء اللبناني أن قُدّمت 28 شكوى في التفتيش القضائي ضدّ قاضٍ واحد. ولم يسبق أن رفض هذا القاضي الواحد المثول أمام قاضٍ آخر، أو الإجابة عن أسئلة “التفتيش” أو الردّ على هذه الدعاوى.
وحدها غادة عون، مدّعي عام جبل لبنان، وأقرب القضاة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، لا تأبه للقضاة ولا للمواطنين ولا للمتضرّرين من قراراتها وسلوكياتها، حتّى يمكن القول إنّها باتت تنافس نوح زعيتر في عدد الشكاوى والدعاوى المُقدّمة ضدّها في كلّ محكمة وتفتيش.
من ينسى كيف أمرت، وهي في طريق مغادرتها لبنان إلى ألمانيا، بتوقيف قاصر أُلقيَ القبض عليه وبحوزته ميزان مخدّرات. وطارت الطائرة. وحين حطّت في ألمانيا، وصلها عدد كبير من الاتصالات، من وزير “ملك” في بعبدا، ومن وزير “رئاسي” في القصر، يطلبان منها إطلاق سراح القاصر، لأنّه نجل منصور فاضل، نائب رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
القانون يمنع القاضي من ممارسة صلاحياته خارج الأراضي اللبنانية، فاتصلت غادة عون بكلّ من يمكنها الضغط عليه، لاستصدار أمر بإخلاء سبيله. لكنّ القضاة، وهم يعرفون حجم نفوذها والضغوط عليها، خافوا على أسمائهم وعلى مستقبلهم، فاعتذروا. فما كان منها إلا أن أمرت بإخلاء سبيله، خلافاً للقانون، و من قارة أخرى.
الهوى السياسيّ الفاضح
منذ تعيينها، بدأت الشكاوى منها وعليها. والثابت أنّها لا تحترم الأصول القانونية. ولماذا تحترمها، ما دام رئيس الجمهورية بنفسه يعطّل التشكيلات القضائية منذ 10 أشهر، كرمى لعينيها. أي أنّه يعطّل انتظام عمل القضاء، لأنّ التشكيلات تتضمن إزاحتها من منصبها الحالي.
كلّ من يخالف أهواء مرجعيتها السياسية تقسو عليه، وإن من دون وجه حقّ. والذين يسارعون في هواها، يخرجون مثل شعرة قاصر معه ميزان مخدّرات، من عجينة الترويج والتجارة.
لكنّ حملها بات ثقيلاً جداً حتّى على رئيس الجمهورية. إذ يتردّد أنّ مرجعاً قضائياً كبيراً زار الرئيس عون قبل أيام، وشخّص أمامه حالتها، وأعلمه أنّه لا يمكن بعد اليوم تحمّل أوزارها، فحصل على إجابة تعني في ما تعنيه: “شوفوا القانون شو بيقول”.
ولا يخفى على أحد أنّ عون كانت يد العهد الطولى بالقضاء، في مواجهة خصومه السياسيين. فعبرها هزّ ميشال عون العصا لنجيب ميقاتي، ومن خلالها حارب رياض سلامة، وبها واجه الصرّافين الذين ظنّ أنّهم هم سبب البلاء في الليرة والدولار، ومن خلال ملفاتها دخل على أنطون صحناوي وعلى ميشال مكتّف وعلى ملفّ الفيول ليهزّ العصا لسليمان فرنجية. وهي التي استدعت الكثيرين بصفة شاهد، لتحجز حريّاتهم وتعتقلهم خلافاً للقانون، وأبرزهم المدير العام لهيئة إدارة السير والمركبات الآلية، السيدة هدى سلّوم. إذ استدعتها بصفة شاهد واعتقلتها لأشهر في ملفّ فارغ.
اللافت أنّه كلما خرج ملف من يدها وانتقل إلى قاضٍ آخر، وأيّاً كان قرار القاضي، لا يصل الأمر إلى حدّ تقديم شكوى بحقّه أو الادّعاء الجزائي عليه من المتخاصمين، كما يحصل مع غادة عون، لأنّهم يتّبعون الأصول القانونية خلافاً لما تفعله عون.
رفضت المثول 6 مرّات
وقد علم “أساس” أنّ 6 دعاوى جزائية مقامة ضدّها. إذ سبق أن ادّعت عليها هدى سلّوم بجرم “حجز حريتها دون ملفّ”، وادّعى عليها النائب هادي حبيش بجرم “القدح والذم”، وادّعى عليها النائب نقولا فتوش بجرم “التزوير”… وادّعى عليها محامٍ بجرم “تزوير محضر”. وفي الدعاوى الأربعة رفضت الحضور إلى التحقيق معها.
لكن منذ أسبوعين، وعلى إثر الدعاوى الجزائية المقامة ضدّها من أنطون الصحناوي وميشال مكتّف، باستغلال النفوذ وإساءة استعمال السلطة، كلّف مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، القاضي عماد قبلان، أن يستدعيها مجدّداً إلى التحقيق. فاعتذرت في المرّة الأولى، وفي المرّة الثانية قدّمت عذراً بأنّ لديها موعداً مع طبيب الأسنان، وفي الثالثة رفضت بحجّة أنّ الدعوى المرفوعة ضدّها تتعلّق بملفّ مفتوح عندها. فتوجّه عويدات إلى مجلس القضاء الأعلى وسأل: “هل أصدر بلاغ بحث وتحرٍّ بحقّها؟”.
بعدما بلغ سيل غادة عون زبى مجلس القضاء الأعلى، صوّت يوم الأربعاء 14 نيسان 2021، على تكليف القاضي عويدات “اتّخاذ الإجراءات اللازمة بحقّ غادة عون”، من أجل كفّ يدها. وطلب المجلس من رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد أن يبتّ الشكاوى الـ28 المقدّمة ضدّها، وأن يباشر عويدات التحقيقات في الدعاوى الستة المرفوعة ضدّها.
كفّ يدها عن كلّ الملفّات
يوم الجمعة صباحاً، أصدر القاضي عويدات قراراً قضى بتوزيع الأعمال المنوطة بالقاضية عون على 3 محامين عامين في جبل لبنان، هم القاضي سامي صادر، وحصر بيده جرائم الاتجار بالمخدرات وترويجها، والقاضي سامر ليشع حصر بيده الجرائم المالية المهمّة، والقاضي طانيوس السغبيني، وحصر بيده جرائم القتل، جاعلاً صلاحيات عون محدودة جدّاً جدّاً، وهذه المرة بتغطية من مجلس القضاء الأعلى.
اللافت أنّ القرار سحب من يد قاضية العهد ورقة مذهبية سبق أن استعملتها، حين حاول القاضي عويدات كفّ يدها قبل ثلاث سنوات. هذه المرّة، بموافقة مجلس القضاء الأعلى، اتّخذ “القرار المناسب”، وكلّف 3 محامين عامين “موارنة”، بدلاً منها، كي لا تستخدم القرار باعتباره قراراً من قاضٍ سنّي، بوجه قاضية مارونية.
الجدير ذكره أنّ مجلس القضاء الأعلى الذي يتألف من 10 أعضاء، طُرد أحدهم وتقاعد آخر، وبعد شهرين يتقاعد عضو ثالث، ويصبح بحكم “غير المنعقد” لأنّ نصاب انعقاده قد فُقد، (8 أعضاء). وبالتالي لن يتراجع عويدات عن قراره إلا بقرار جديد من مجلس القضاء الأعلى.
سيسجّل التاريخ أنّ عهد الرئيس عون شهد أكبر ضربة لصدقية القضاء، حيث صار القضاء مطعوناً في هيبته بسبب غادة عون. وقدّمت هذه القاضية أسوأ صورة للقضاء في تاريخ كلّ العهود. لكنّها اليوم خرجت جزئياً، في مرحلة انتقالية، وباتت قاضية بلا ملفات ولا صلاحيات… باتت “زعيمة المنطقة الفاضية”.