بلا قضاء وضحية القدر الأسود…!

نون -اللواء

ثمة إجماع على أن القضاء يتعرض للانتهاك والضغوط والتدخلات في هذا العهد بمستوى غير مسبوق، حتى إبان الفترة السورية، ولكن لم يكن أحد يتصور أن تصل التجاوزات السياسية في القضاء إلى هذا التردي الذي بلغته أمس، في العملية البوليسية التي قادتها القاضية غادة عون ضد مؤسسة عائلة مكتف المالية في منطقة عوكر.

صور الاقتحام باللبيط والخلع والتكسير، وما تبعه من فوضى وصراخ، وفقدان القاضية السيطرة على نفسها، وتعرضها لحادث صحي بسبب شدة الانفعالات، كل هذه المشاهد بدت وكأنها حلقة في مسلسل رمضاني، على سيرة المسلسلات المتزاحمة على الشاشات الصغيرة هذه الأيام، لأن العملية برمتها خرجت عن أبسط القواعد القضائية، وعن كل النصوص والأعراف القانونية.

هل هي مجرد مصادفة أن تقوم القاضية المثيرة للجدل، والمتهمة من خصومها بتسييس صلاحياتها القانونية في خدمة فريق العهد، واستهداف معارضيه، أن تُقدم على مثل هذه العملية الاستعراضية بعد أيام من قرار استدعائها للمثول أمام مجلس القضاء الأعلى بعدما بلغ سيل مخالفاتها الزبى، وفاق كل المألوف في استغلال المناصب القضائية المماثلة.

لم يعد خافياً أن عون تستمد قدرتها على تحدي المراجع القضائية العليا من ولائها المطلق للتيار العوني، وما يؤمنه لها من تغطية ودعم سياسي مفضوح، تجلت أبشع صوره في توقيف التشكيلات القضائية منذ أكثر من سنة في أدراج رئاسة الجمهورية، لأنها تضمنت نقل القاضية عون من مركزها الحالي كمدعٍ عام في جبل لبنان.

ولكن القاضية عون ذهبت بعيداً في تسخير منصبها القضائي الحساس لأهداف سياسية ذات طابع كيدي، ويتركز على معارضي العهد، وكبار الموظفين الخارجين عن طوع التيار العوني، وكان آخرها حاكم البنك المركزي رياض سلامة بتهم واهية.

المفارقة العجيبة في هذا العهد أن رئيس الجمهورية يكرر في معظم خطاباته وأحاديثه اليومية حرصه على تحقيق استقلالية القضاء، فيما مشروع التشكيلات القضائية التي وضعها مجلس القضاء الأعلى بإجماع نادر، حبيس الأدراج الرئاسية، وأن القاضية الأقرب له والمحسوبة على تياره السياسي، تتصرف وكأنها حاكمة بأمرها، ولا تخضع للتراتبية القضائية وللهيكلية الإدارية.

فمن سيتجرأ بعد اليوم من فريق العهد للحديث عن استقلالية القضاء في بلد أصبح ضحية قدر هذه الأيام السوداء؟

Exit mobile version