وحده الحريري خارج العزلة
ليبانون ديبايت – علي الحسيني
يرى البعض في لبنان راهناً، نموذجاً أقرب إلى السجن منه إلى الوطن، سواء بالنسبة للشعب اللبناني، العاجز عن إستعادة حريّة كان مارسها طيلة عقود من الزمن قبل أن يخسرها بسبب الوضع المعيشي أوّلاً، والوضع الصحّي ثانياً، أو بالنسبة إلى المسؤولين السياسيين، الذين سُحب منهم شرف تمثيل بلادهم في العديد من دول الخارج، إمّا بسبب فسادهم وما أكثره، وإمّا بسبب تقديمهم مصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية على مصلحة البلد، وأخذهم البلد وحكومته رهينة، إلى حين الإفراج عن هذه المصالح.
وحده الرئيس المُكلّف سعد الحريري خارج هذه العزلة، فعلى الرغم من عدم تأليفه الحكومة بعد لأسباب لم تعد تغيب عن أي مواطن لبناني، فهو ما يزال يُمارس نشاطه السياسي في الداخل والخارج، كما لو أنه السياسي الوحيد الذي يُتابع بجهد واهتمام، مسؤولياته الوطنية أولاً، وثانياً واجباته السياسية إنطلاقاً من موقعه المُتميّز سواء كرئيس مُكلّف تُحجب الموافقة عن تشكيلته الحكومية بفعل الكيدية السياسية، وكرئيس كتلة برلمانية وازنة في مجلس النواب، وأيضاً كزعيم لتيّار سياسي يُمثّل واحدة من أكبر الطوائف اللبنانية ومؤثّر في الحياة السياسية.
ومن ضمن الإستراتيجية نفسها التي كان يتبعها والده الشهيد الرئيس رفيق الحريري من خلال تطويعه الفضاء لرحلاته المكّوكية بين دول العالم طالباً مساعدة لبنان في كافة المجالات، يسير الحريري الإبن اليوم، باحثاً عن حلول سياسية ـ إقتصادية تُعيد لبنان إلى موقعه السابق بين هذه الدول، وعن حلول طُبيّة ترفع عن وطنه حجم الكارثة الصحية التي تعاظمت بفعل سوء إدارة المسؤولين لهذا الملف. ففي الوقت الذي سعى فيه الحريري لتأمين أعداد من اللقاحات ضد فيروس “كورونا”، كان هذا اللقاح يُباع في السوق السوداء، ويُهرّب من لبنان تحت أعين سلطة لم يرفّ لها جفن ولم تجرؤ، لا على مُحاسبة المُرتكبين، ولا على السؤال.
في موسكو كما في دول أوروبية وعربية، كان استقبال الرؤساء والزعماء للحريري، دليلاً قاطعاً على مكانته ودوره الفاعل، ورسائل أكثر من واضحة وصريحة لكل “سجناء” السلطة في الداخل، بأن زمن الحريري السياسي لم ينتهِ كما يُحاول البعض إظهار الأمور أو السعي لتحقيق هذا الأمر، وأن للرجل حاجة أساسية في أي عملية إصلاح سياسية أو اقتصادية، تماماً كما أنه محل ثقة لدى هذه الدول، وهو السياسي اللبناني الوحيد الذي تراجعت ثروته منذ دخوله المُعترك السياسي، علماً أن هذا الأمر لا يشفع له ولا يعفيه من مسؤوليات ترتّبت عليه خلال وجوده في السلطة.
كل ما سَلف، هو مؤشر واضح لعمق الأزمة التي تعيشها السلطة بكل تكاوينها الحزبية والسياسية، وإذا وجبت المقارنة بين العزلة الدولية التي تُعاني منها هذه السلطة بثلاثيتها الرئاسية، وبين حركة الحريري المكّوكية ومسابقته للمسافات الزمنية، يظهر للعيان أن ما يعيشه لبنان في الوقت الحالي من عزلة بين الأشقاء قبل الغرباء، هو أسوأ ما مرّ عليه لدرجة جعل البعض يترحّم على زمن الرئيس إميل لحود، إذ أنه في تلك الفترة، ظلّت بعض الدول “فاتحة” أبوابها أمام أهل السلطة، بينما اليوم كل الأبواب الخارجية موصدة بوجهها ويتم تجاهلها حتّى في أقل المؤتمرات الدولية شأناً.