هيل لسلامة: دورك ما خلص…. ناطرك الكتير
ليبانون ديبايت – ميشال نصر
قال هيل كلماته ومشى، تاركاً الساحة لموجة من الأزمات الجديدة التي فتحت الأبواب على كثير من التساؤلات والتحليلات. فبعبدا خرجت لتُوضح عبر أوساطها تفاصيل المحادثات مع الضيف الأميركي “بالدقائق والثواني”، فيما كانت الجبهات تُفتح عليها، قضائياً، عبر قرار لمدّعي عام التمييز، شلّ بموجبه “ماكينة العهد القضائية” التي انتفضت على طريقتها، وشعبياً، مع “انفجار نقمة” أهالي ضحايا فوج الإطفاء. كل ذلك قبل أن تهضم الرئاسة الأولى، تحدي لقاء الموفد الأميركي ديفيد هيل بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع ما يعنيه ذلك من إشارات ويتسبّب به من تداعيات.
فبقدر ما كانت تطوّرات ملف ترسيم الحدود مفاجئة، بقدر ما طغت عليها رسالة” الغداء العلني “الذي جمع الموفد بالحاكم، والموجّهة إلى أطراف داخلية ،في مقدمتها العهد، وخارجية، في طليعتها فرنسا، لتُعيد جلسة “الخبز والملح”، خلط الأوراق والحسابات وتدفع الكثيرين من الأطراف إلى ضرب “أخماسهم بأسداسهم”، مع دخول واشنطن مرّة جديدة وبقوة على خط المصرف المركزي والقطاع النقدي، في ردّ مضاد لردّ الهجمات التي يشنّها تحالف المنظومة الحاكمة على رياض سلامة، تحت ستار الإصلاح ومحاربة الفساد كمطلبين دوليين.
وترى مصادر مقربة من الجانب الأميركي، أن اللقاء بشكله ومضمونه، حمل في طيّاته ما هو أبعد من الدعم المعنوي، إذ جاء بمثابة الضربة القاضية لكل الحملات التي نُظّمت في لبنان والخارج وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية على مدى الأشهر الماضية، خصوصاً أن سلامة، كان مهّد لزيارة هيل بجولة له على المعنيين، وضعتهم أمام مسؤولياتهم في مسألة استمرار الدعم وعدم وجود خطط إنقاذية، وقبلها تعاونه الكامل مع شركة التدقيق المالي وتسليمه المستندات المطلوبة.
في السياسة، قد يقرأ الكثيرون في الموقف الأميركي تعويماً لأوراق الحاكم كمرشّح لرئاسة الجمهورية، ورهاناً دولياً على دور ما له مستقبلاً، بعيداً عن المهاترات والمزايدات والتبريرات، سواء على الطريقة “البرتقالية” بقبول التجديد رضوخاً للإجماع، أم الأسلوب الأصفر على قاعدة “أكّلنا الإستيذ الطعم”. ولكن قبل هذا وذاك لماذا جاءت الزيارة مُميّزة شكلاً ومضموناً؟
في الشكل، بدا واضحاً من طريقة استقبال المُضيف للضيف الى طاولة الغداء، والوقت الذي استغرقه اللقاء، الذي تخطى بمدته أي لقاء من لقاءات هيل، عُمق العلاقة القائمة بين الطرفين. أمّا في المضمون، فإن وكيل وزير الخارجية الأميركية، بدا مستمعاً مهتمّاً بأدّق التفاصيل، مستفسراً عن طبيعة الأزمة الحالية وسبل الخروج منها، والدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه كحاكم، باعتبار مقاربته للطبيعة السياسية للأزمة وحلّها، هي الأقرب لتكون صحيحة وواقعية، خصوصاً في ضوء استراتيجية واشنطن المعدّلة، والقائمة على تقديم المساعدات اللازمة ودعم الشعب اللبناني.
واضح من القراءة الواقعية للتطورات، أن الطبقة الحاكمة ترغب بجعل الحاكم “عِجلاً مثمّناً”، يُضحّى به على مذبح الأزمة المالية والإنهيار الإقتصادي، في مقابل اعتراف أميركي – دولي ـ عربي، بأهمية الدور الذي يتولّاه سلامة حالياً تحديداً، والرهان على دوره مستقبلاً.
فرغم أنه يتحمّل حصته مما وصلت إليه الأمور، إلاّ أن عائق المحاصصة و”الهيمنة” على قرار المصرف المركزي يحول حتى الساعة دون خطوة “إزاحته” من المشهد.
خارجياً، يبرز صراع الهيمنة الأميركي – الأوروبي، والفرنسي بالتحديد حول البديل، ذلك أن باريس تملك مرشّحها، رابطةً الأمر باستحقاقات مستقبلية تتعلّق بالتعاون بين مصرف لبنان والبنك الأوروبي. أمّا واشنطن ،التي لم تهضم بعد “كفّ” خسارة معركة تعيين نواب الحاكم، ترغب بمرشّح يحقّق استراتيجيتها المتعلقة بخنق “حزب الله” مالياً وإلحاق لبنان بمنظومتها المالية، أياً كان الإسم المرشح.
أمّا داخلياً، فمنطق المحاصصة، حيث يفكر العونيون بتعيين من يدين لهم وحدهم ليضمنوا سيطرتهم حتى في حال خسارتهم لبعبدا، فيما يقف بمواجهتم فريق سياسي لا يُستهان به، تمكّن حتى الساعة من خلق توازن داخلي أعاق أية عملية محاسبة أو مساءلة لرياض سلامة. وأمّا “حزب الله”، غير المتضرّر من حاكم المركزي الحالي، الذي تعاون إلى أقصى الحدود مع حارة حريك، وغطّى الكثير من عملياتها، خلافاً لكل ما يُقال، يريد حاكماً على صورة ومثال الحالي، الذي أراحه على صعيد العقوبات الأميركية وسمح له بالإفلات منها عبر الثغرات.
بناءً على كل ما تقدّم، تنبىء الأيام القادمة، بهبوب عاصفة جديدة، عنوانها الدولار والدعم، أبطالها خصوم الحاكم من، “مقاومة وممانعة”، الساعين إلى الإمساك بالقرار المالي والإقتصادي للدولة ومؤسّساتها، إنطلاقاً من تهمة تعامل معلّبة، واعتباراً من أن الزيارة الوداعية، شخصية، كونها مبادرة فردية، ورداً للجميل لا أكثر ولا أقلّ، وكونها “تغريقية” أكثر منها “تعويمية”.
“يلّلي بيصبر عا حلوها بيصبر عا مرّها”….. ف”العين بصيرة واليد قصيرة”. هي حال حاكم المركزي وخصومه، يتحمّلون الحلو والمرّ أملاً في تغيير التوازنات لتحقيق الأحلام. أمّا بالنسبة للشاطر حسن المسألة واضحة، إذا ما كانت صراعاً رئاسياً بحتاً،”يلّلي بدو يِنكيك بيشيل العيب يلي فيه وبحطّو فيك”…. “فالله يلعن هالزمان يلّلي خلط القمح بالزؤان”…. واللبيب من الإشارة يفهم…..