كتب ابراهيم ريحان…
“لعيون صهر الجنرال… لا نفط ولا غاز ولا حكومة”. هذا ليس تصريحاً لرئيس الجمهورية ميشال عون يشبِه ذلك الذي أطلقه من الرّابية أثناء تشكيل حكومة سعد الحريري سنة 2009، بل هو واقعٌ ملموسٌ تؤكّده المناورات الأخيرة في ملف ترسيم الحدود وتعديل المرسوم 6433 المتعلّق بتحديد الحدود البحريّة للبنان مع فلسطين المُحتلّة، وعرقلة تشكيل الحكومة.
كُلّ ما جرى ويجري من “مناورات انسيابيّة” هدفه أمرٌ واحدٌ لا ثانيَ له: “المُستقبل السّياسي لوليّ العهد البُرتقالي جبران باسيل”، من دون أيّ اعتبار للوضع الاقتصادي المُنهار ومشهد المواطنين يتقاتلون على غالون زيتٍ أو كيس سُكّر مدعوم، أو لشابّ فقيرٍ يسقُط شهيداً في طرابس على أيدي فُقراء آخرين يسعون إلى نيل كرتونة حصّةٍ غذائيّة. كُلّ هذا لا اعتبار له عند فريقٍ يسعى إلى تحويل النّظام الجمهوري إلى نظامٍ ملكيّ من طرازٍ جديدٍ عنوانه الوراثة من “العمّ إلى الصّهر”.
على الرغم من قيامه وفريقه بكلّ ما يستطيع لـ”الإيقاع” بالأميركيين وإجبارهم على التفاوض مع باسيل أو معه لضمَان مُستقبل صهره، لم يجد عون آذاناً صاغية في واشنطن حتّى السّاعة. فمنذ شهر تشرين الأوّل الماضي، سعى عون وباسيل إلى إضافة عضو هيئة النّفط وسام شباط إلى الوفد المُفاوض في مسألة ترسيم الحدود. هذا على الرّغم من أنّ اتفاق الإطار، الذي أبرمه الرّئيس نبيه برّي، يُحدّد الهيئة العسكريّة – التقنيّة للوفد اللبناني، استناداً إلى الآليّة الثلاثية الموجودة منذ تفاهمات نيسان 1996، وصولاً إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701. وهي حقّقت تقدّماً في مجال الاتفاق على الخطّ الأزرق بعد الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، كذلك بعد حرب تموز 2006.
لكنّ إضافة شباط إلى الوفد، جعلت فريق العهد يظنّ أنّ باسيل باتَ حاضراً فاعلاً في المفاوضات، ورقماً لا يسهُل تجاوزه. أمّا الواقع فيقول إنّ لبنان باتَ في مأزقٍ لا يستطيع الخروج منه بسهولة، وخصوصاً بعد امتناع الرّئيس عون عن توقيع تعديل المرسوم 6433 بحجّة الحاجة إلى جلسة لمجلس الوزراء، على الرّغم من أنّ البرتقاليين أنفسهم كادوا أن يستحِلّوا دماء وزير الأشغال بتهمة “الخيانة العُظمى”، لأنّه طلب مُهلة قبل التّوقيع. وبالتالي فإنّ امتناع الرّئيس عون يدلّ على أمرٍ من اثنين: إما خوفه من العقوبات، أو تعليقه التّوقيع كورقة ضغطٍ للمسَاومة مع وكيل وزارة الخارجيّة الأميركيّة ديفيد هيل الّذي كان يزور لُبنان.
بعد التّخلّي العوني عن اتفاق الإطار الّذي لم يُحدّد حجم المنطقة المُتنازع عليها، ومُحاولة تعديل المرسوم 6433 وتوسعة المنطقة إلى 2280 كلم مربعاً. سيكون لبنان أمام خياريْن أحلاهما مُرّ:
الأوّل: أن تفشل مُناورة دفع الأميركيين إلى التفاوض مع العونيين حول المُستقبل السّياسي لباسيل مُقابل تسهيل مهمّة ترسيم الحدود. ويستمرّ عون في رفض التوقيع، خوفاً من عقوبات إضافية على محيطه.
الثّاني: أن يستكمل فريق العهد مهمّة توقيع المرسوم وإرساله إلى الأمم المُتّحدة لمحاولة زيادة الضّغط على الأميركيين، وقد تكون النتيجة وقف المفاوضات الثّلاثيّة وردّاً إسرائيلياً على طريقة “المُعاملة بالمثِل”. وهذا سيؤدّي إلى وقف عمليّات الاستكشاف في البلوكات الجنوبيّة بشكل كاملاً، ويليه توقف شركة TOTAL الفرنسيّة عن عملها.
أمّا على المقلب الآخر، فقد ينجح لبنان بوقف عمل شركة “إنرجين” اليونانيّة في حقل “كاريش” الواقع على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة. لكنّ بعض المعلومات تتحدّث عن إمكان حلول شركة Chevron الأميركيّة مكان “إنرجين”، واستكمالها العمل في حقل كاريش من دون أيّ اعتبار للإجراء اللبناني. وبذلك يكون لبنان قد خسرَ معركته في تعطيل حقل كاريش، وخسر أيضاً إمكان تلزيمه البلوكات الجنوبيّة إلى حين بتّ مسألة الحدود، الّذي لن يكون من دون تنازلات.
وكان الرّئيس عون قد سمع من الموفَد الأميركي ديفيد هايل أنّ تعقيد لُبنان لعمليّة التفاوض سيكون له انعكاسات “اقتصاديّة سلبيّة” على لبنان. وهذا يعني أنّ الأميركيين ليسوا بوارد التفاوض على مُستقبل باسيل في مقابل ترسيم الحدود. وسَمِعَ أيضاً امتعاضاً أميركيّاً من عرقلة تشكيل الحكومة وصلَ إلى حدّ التلويح بالعقوبات على المُعرقلين. وهكذا يكون نفط لبنان وغازه قد صارا رهينتيْ “القلق على مُستقبل باسيل”.
وفي هذا الإطار، تحدّثت معلومات، لم ينفِها القصر الجمهوري، تفيد أنّ الرّئيس عون ومُستشاره سليم جريصاتي تناسيا الوضع اللبناني و”خراب البصرة” وسألا وزير الخارجيّة المصري سامح شُكري في زيارته الأخيرة للبنان: “ليش ما بدّكن تشوفو جبران؟”، وتبادلا الأدوار في محاولة “إقناع” المصريين بـ”كم هو جبران جميل ويُحبّكم ويُحبّ الحريري، لكنّ الأخير هو الّذي تغيّر بعدما كان عون يُعامله كابنٍ له”!
هي معركة توريث الرّئاسة والمُستقبل السّياسي لباسيل بوجهٍ جديدٍ.
ففي الماضي، أعلَنَ الرّئيس ميشال عون “حرب التّحرير” سنة 1989 ضدّ القوات السّورية في لُبنان بعدما رفض حافظ الأسد الاستجابة لطلبه أن يكون رئيساً للجمهوريّة. ثمّ كانت “حرب الإلغاء” ضدّ القوّات اللبنانيّة في كانون الثّاني 1990 لمُحاولة تجديد أوراق الاعتماد للأسد الأب. فانتهى به الأمرُ منفيّاً في فرنسا بعد دخول قوّات النّظام السّوري قصر بعبدا في 13 تشرين الأوّل 1990.
أمّا اليوم فيقود عون معركةَ باسيل بـ3 عناوين رئيسة: 2 منها داخليّان يرتبطان بعرقلة تشكيل الحكومة والتّدقيق الجنائي، وثالثهما خارجيّ يتعلّق بترسيم الحدود.