قمة البؤس أن يصبح رأسمال لبنان هو”قوة الإفلاس”. قوة الخوف العربي والدولي على الوطن الصغير، بعدما تمادى المسؤولون في دفعه على الطريق السريع للإنهيار، بدل قيادته على الطريق الطويل للإنقاذ. وقوة الخوف مما بعد الإنهيار من مضاعفات وإنعكاسات بالنسبة الى صدام المشاريع والمصالح ضمن اللعبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وعليه. ولا مجال للخطأ في قراءة “الرسائل” العاجلة الى بيروت، بعد التذاكي الخبيث المؤذي لنا، لا للرئيس إيمانويل ماكرون، في التعامل مع مبادرته. رسالة الإدارة الأميركية التي حملها ديفيد هيل في زيارة لبنان فقط. رسالة الكرملين عبر استقبال الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري. رسالة مصر المعبرة جداً خلال زيارة الوزير سامح شكري. رسالة السعودية عبر الموقف الواضح لوزير الخارجية فيصل بن فرحان، ورسالة الجامعة العربية التي حملها الأمين العام المساعد حسام زكي بعد الأمين العام أحمد أبو الغيط. أما الخطأ المقصود في القراءة، لجهة الإدعاء أن أميركا والسعودية وراء التعطيل، فلن يتبدل.
لكن المسألة ليست في القراءة، مهما تكن الرسائل واضحة. فما يطلبه هيل من “مرونة كافية لتشكيل حكومة” يضيع على جدار التصلب والعناد. وما يهدد به من عقوبات يفرح الصاحب الحقيقي للسلطة. و”القلق” الأميركي والدولي إزاء “الفشل في إطلاق برنامج الإصلاح الحاسم”، يقابله إطمئنان المسؤولين الى القدرة على البقاء والإستمرار في الهرب من الإصلاح خوفاً على المصالح. و”استعداد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي للمساعدة” التي تحتاج الى “الشريك اللبناني” يصطدم بكون الشريك في لبنان هو الإيراني. فضلاً عن أن المافيا الحاكمة والمتحكمة تتصرف كأن الزمن مفتوح أمامها، وتوحي أنها تملك كل الدهاء على الأرض. وليس هناك بلد يربط تأليف حكومته باتجاه الرياح في الخارج وما يحدث على صعيد الألعاب الإقليمية والدولية وتنتهي إليه حرب سوريا والمفاوضات الأميركية – الإيرانية. لكن هذا ما صار قدر لبنان الذي يواجه التطورات بالفراغ، بدل أن تكون الحكومة هي أداة مواجهة التطورات في المنطقة.
والمفارقة هي إندفاع التركيبة السياسية في حروبها الصغيرة بحثاً عن الأرباح وحتى عن احتكار الربح لدى الأطراف التي تبالغ في القوة، مع أن الواقع يفرض، ليس فقط تحديد الخسائر بل أيضاً توزيع الخسائر. فكيف إذا كان “تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاح جدي وجذري هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة”، كما سمعنا من الجميع ومؤخراً من هيل؟ وكيف إذا صرنا عملياً اليوم في حال إنعدام الوزن: رئيس مع وقف التنفيذ، رئيس مكلف مع وقف التنفيذ، وجمهورية مع وقف التنفيذ؟
في محاضرة عن “السياسة كمهنة” قال ماكس فيبر: “إلتزام المبادئ الأخلاقية يجب أن ترافقه أخلاقيات المسؤولية”. والدرس أمامنا.