لا يهتمّ الشعب بكل المهاترات والسجالات التي تحصل، ويتركّز همّه على تأمين لقمة العيش بعد كثرة الحديث عن توقّف الدعم نهائياً بعد عيد الفطر، وبالتالي فإنه رغم خطورة الوضع يمتنع المعطلون عن تأليف حكومة جديدة.
في وقت يواصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه السياسي الهجوم على الرئيس المكلّف سعد الحريري، يستمرّ الأخير في زياراته الدولية من أجل فتح ثغرة في جدار الأزمة بعدما أُغلق الداخل في وجهه، فبعد زيارته روسيا، سينتقل الحريري في 22 الشهر الجاري إلى الفاتيكان للقاء قداسة البابا فرنسيس.
تربط آل الحريري علاقة وثيقة بالكرسي الرسولي وقد ورثها الحريري الإبن عن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحافظ عليها، ويُعتبر لقاء الحريري بقداسة البابا أعلى تواصل بين مسؤول سياسي لبناني و”خليفة بطرس”، بغضّ النظر عن الزيارات المتتالية التي يقوم بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى حاضرة الفاتيكان واجتماعه مع البابا فرنسيس.
ويلعب الكرسي الرسولي دوراً بارزاً في الأزمة اللبنانية، ويظهر ذلك جلياً من خلال صلوات البابا المتواصلة لخلاص هذا البلد ودعوته المسؤولين إلى سماع صوت الناس، كذلك من خلال إتصالات ديبلوماسية للفاتيكان بالدول الفاعلة من أجل حلّ الأزمة اللبنانية، وعلى رأس تلك الدول فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ودعمه لكل الحراك الذي يقوم به البطريرك الراعي.
وفي السياق، ستحضر الأزمة السياسية في لبنان خلال لقاء البابا بالحريري، وستتم مناقشة العراقيل الداخلية وكل ما يؤخّر إيجاد حلّ، إضافة الى الصورة الأكبر وهي موقع لبنان من أزمات المنطقة وضرورة المحافظة على المناصفة والعيش المسيحي – الإسلامي لأن الفاتيكان مُصرّ على صيانة “اتفاق الطائف” بما يؤمّن المساواة بين جميع اللبنانيين ويحفظ هذا البلد نموذجاً عالمياً في وجه مشروع صراع الحضارات ويحافظ على الوجود المسيحي.
ويُشكّل إستقبال البابا للحريري ضربة قويّة لكل من يحاول نقل المعركة من إطارها السياسي ووضعها في إطار مذهبي وادّعاء الدفاع عن حقوق المسيحيين، وذلك لتحقيق أهداف سلطويّة ومصالح خاصة ولتقوية مشروع “الدويلة” وضرب مطالب البطريرك الراعي بـ”الحياد” و”المؤتمر الدولي الخاص بلبنان”، مع العلم أن سفير لبنان في الفاتيكان فريد الياس الخازن عُيّن من قبل “التيار الوطني الحرّ” والعهد سفيراً هناك كجائزة ترضية بعدما قرّروا عدم ترشيحه مجدداً في كسروان في الإنتخابات الأخيرة، وهناك محاولة لإشاعة أجواء أن الفاتيكان يقف ضدّ مطالب الراعي الإنقاذية.
إذاً، كان رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل يُصوّر نفسه أنه يخوض معركة تحصيل حقوق المسيحيين، إلا أنّ هذه العناوين الشعبوية لا تمرّ في الفاتيكان، فقد فشلت كل محاولاته الأخيرة بأن يترأس وفداً حزبياً ويلتقي البابا خلال زيارته إلى العراق كونه رئيساً لأكبر كتلة مسيحية، وقد أتى الرفض صادماً من دوائر الفاتيكان لمثل هكذا خطوة لأنها ترفض إستغلال أي لقاء مع البابا في السياسة.
وتكرّرت محاولات باسيل وتياره، وكان آخرها في شباط الماضي مع توجّه وفد من تكتل “لبنان القوي” وتسليم مذكّرة إلى السفارة البابوية في محاولة للإلتفاف على مطلب البطريرك بالحياد ودعوته إلى مؤتمر دولي، لكن كل محاولات “التيار” فشلت ولم تلق صدى في الفاتيكان الذي يبارك كل خطوات الراعي ويعتبره مسؤولاً عن قيادة هذه المرحلة مسيحياً ووطنياً.
وفي المحصّلة، فإن كثراً يرون حالة الدرْك التي وصل إليها وضع العهد وعموده الفقري باسيل، فهو موضوع على لائحة العقوبات الأميركية وتتحضّر فرنسا وأوروبا لوضع عقوبات إضافية عليه وعلى آخرين في سابقة تحصل للمرة الاولى في تاريخ العلاقات المسيحية ـ الفرنسية والأوروبية، وكذلك فإن كل محاولاته طرْق أبواب الفاتيكان لم تنجح، لتكون المفاجأة أن يستقبل البابا الحريري “خصم” العهد الجديد.