طغى الملف القضائي أمس على ما عداه من الملفات الأخرى على الرغم من دسامتها، سواء في موضوع ترسيم الحدود وزيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل بيروت، أو في موضوع زيارة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الى موسكو ولقائه أمس وزير الخارجية سيرغي لافروف.
ففي المشهد القضائي، وفي سابقة خطيرة، اقتحمت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون شركة مكتف للصيرفة في عوكر بحجة متابعة التحقيق في ملف مالي. ولم تأبه الرئيسة عون بقرار المدعي العام التمييزي غسان عويدات كفّ يدها عن الموضوع فقرّرت أن “تفتح قضاء على حسابها” وتداهم الهدف القديم – الجديد. ورفضت الاستماع الى محاميي ميشال مكتف الذين اعترضوا على ممارستها الخارجة عن اي صلاحية وقانون والتي اتخذت طابع النكاية الشخصية والسياسية خصوصاً ان “متظاهرين” موالين لخطها السياسي تجمعوا خارج المكاتب هاتفين بألفاظ تليق بمن أرسلهم. وتخلل النهار الطويل “هبوط ضغط” القاضية عون وقيام مرافقيها الأمنيين بخلع أحد الأبواب في المؤسسة المالية وفشلهم في خلع آخر. وهؤلاء والقاضية المعتدية سيكونون موضوع دعاوى سيقدمها الفريق القانوني لمكتف وفق المحامي الكسندر نجار.
وانتهى “الفيلم” نحو التاسعة مساء بخروج عون بمواكبة قوة من الجيش لادعائها ان خطراً داهماً يحيق بحياتها، علماً بأن مرافقيها والمتظاهرين هم من “جماعتها”! ودعت وزيرة العدل ماري كلود نجم مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش والنائب العام التمييزي الى اجتماع طارئ لبحث التطور غير المسبوق واجراء المقتضى. كما وعلم ان مجلس القضاء الأعلى سينظر في جلسته الثلثاء المقبل في تمرد القاضية عون على قرار النائب العام التمييزي ويتخذ الاجراء المناسب.
ديفيد هيل يغادر
هذا في الشق القضائي، اما في الشق السياسي، فقد غادر هيل بيروت حاملاً مفاجاة الى القيادة الأميركية تمثّلت في أن رئيس الجمهورية ميشال عون، تجاوب معه حيال وجهة نظره كأساس لاستئناف المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، ما يعني أن التعديلات المقترحة على المرسوم رقم 6433 لزيادة المساحات البحرية للبنان في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين صُرف النظر عنها، بحسب ما ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط”.
هذه الخطوة التي مهد لها رئيس الجمهورية عبر عدم توقيعه على المرسوم، اعادت الملف الى الى اتفاق الاطار الذي سبق أن أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بشكل يضع سقفاً للتفاوض ينطلق من النقطة 23 وليس النقطة 29 التي طالب بها وفد التفاوض اللبناني، استناداً إلى دراسات وخرائط الجيش وشركة بريطانية متخصصة، لم تقابل إسرائيل هذه الخطوة اللبنانية بتقديم ضمانات بالعودة إلى طاولة المفاوضات من حيث انتهت، إنما بقي التراجع اللبناني دون أي مقابل أو ثمن، بحسب “نداء الوطن”.
وفي هذا الإطار، يرى مصدر معني بملف الترسيم أنّ الوحيد الذي “يضحك بعبّو” اليوم هو الرئيس بري بعدما علم مسبقاً أنّ “الأفضل للبنان التفاوض على مساحة 860 كلم 2 وتحصيلها كاملةً بدل “توسيع بيكار” المطالب اللبنانية الذي سيؤدي إلى تطيير المفاوضات وسيدفع الدولة اللبنانية من بعدها إلى التراجع من دون تحصيل أي مكتسبات إضافية”، وهذا فعلياً ما انتهت إليه زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل، التي خلصت إلى “إظهار لبنان الرسمي في موقع تفاوضي ضعيف، وبيّنت بشكل فاضح أنّ مصالح شخصية تقف وراء حسابات الرئيس ميشال عون الذي ترك الجيش وحيداً على أرض المعركة التفاوضية وتراجع فجأة عن دعم موقف وفده المفاوض”.
الحكومة غائبة
وسط هذه العناوين الكبيرة يبقى الملف الحكومي غائباً عن الساحة، مع عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت مختتماً زيارته موسكو، على وقع تراجع حدة الاتصالات على الرغم من ان الرئيس نبيه بري وحزب الله مستمرين بجهودهما باتجاه الرئيسين عون والحريري لتذليل العقبات العالقة لا سيما عقدة تسمية الوزيرين المسيحيين الاضافيين وحسم وزارتي الداخلية والعدل بعد ان جرى حسم صيغة الـ ٢٤ وزيرا والموافقة المبدئية على معادلة الـ ٨،٨،٨، وهما طرحا في الايام القليلة الماضية اكثر من اقتراح ومخرج لهذه العقد انطلاقا من تاكيد استبعاد الثلث المعطل ومعالجة ما سمي بهواجس بعبدا المتعلقة بطريقة تسمية الوزيرين المسيحين واصرار الحريري على التمسك بوزارة العدل.
مصير الدعم وزيارة دياب لقطر
على صعيد آخر كشفت مصادر مطلعة لـ “الديار” عن مراجع بارزة تخوفها من تداعيات ومخاطر الوضع في ظل التحذيرات التي ابلغها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لكبار المسؤولين مؤخرا وما اعلنه وزير المال غازي وزنة مؤخرا بان سياسة الدعم والاموال المخصصة لها لن تكفي لاكثر من نهاية ايار المقبل.
وقالت المصادر ان الاتصالات الاخيرة لم تسفر عن اية نتائج بسبب الخلافات في الاراء حول هذا الموضوع، وعدم تجرؤ اي مسؤول على اتخاذ قرار حاسم بشأنه.
وفي المعطيات المتوافرة فان زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الرسمية الى قطر بعد غد الاحد مرتبطة بالبحث مع المسؤولين في الدوحة وعلى راسهم امير قطر في السعي للحصول على مساعدة فورية وسريعة للبنان من اجل توفير استنزاف احتياطي مصرف لبنان في دعم المحروقات والفيول اويل، الى جانب ما يمكن ان توفره الدوحة من مساعدة مالية عاجلة. وقالت المعلومات ان الرئيس دياب ،الذي استمهل البت بموضوع خطة ترشيد الدعم الى ما بعد شهر رمضان، لا يريد تحمل رفع الدعم وتداعيات هذه الخطوة. ويشدد في هذا المجال على خيارين: اما الاسراع بتشكيل الحكومة لتتحمل مثل هذه المسؤولية، او ان يتحمل الجميع المسؤولية فعلا لا قولا اتخاذ القرار المناسب لا سيما في ظل الخلافات الحاصلة حول هذا الموضوع.