عبد معروف
مازال بعض المحللين والمثقفين يعتقد أن روسيا مازالت في عصر الشيوعية وتقف إلى جانب حق الشعوب المضطهدة أو التي احتلت أرضها.
ويتوقف عقول هؤلاء جميعا عند مرحلة سادت قبل عقود طويلة من الزمن ، كان الصراع فيها بين واشنطن وموسكو صراع حاد يتفجر من خلال دعم روسيا لحركات التحرر والتقدم في العالم ، وأيضا من خلال الحرب الباردة التي شهدها العالم بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.
بعد تفكك الاتحاد السوفياتي أواخر ثمانيات القرن الماضي ، تحول النظام في روسيا وهي أكبر دول الاتحاد ، تحول فيها النظام إلى نظام مافيوي ، يعمل من أجل مصالحه على حساب مصالح الشعوب ، وتراجع عن صراعه مع الولايات المتحدة التي تعمل على نهب ثروات العالم والسيطرة على مفاصل حياة الشعوب الأمنية والسياسية والاقتصادي ، والتي تدعم الكيان الصهيوني في فلسطين.
ومن يطلع على طبيعة النظام الاقتصادي القائم في روسيا اليوم ، يعلم جيدا أن هذا النظام هو نظام مافيوي ، يعمل على تصدير منتوجاته وصناعاته وخاصة الأسلحة إلى الدول النامية ، ويساهم من خلال أنظمتها (كما فعل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة قبل ذلك) على تعزيز النظام السائد والطبقات المسيطرة في الدول العربية ومنع أي تطور صناعي وإنتاجي ، لكي ترتبط هذه الطبقات بالسوق المافيوي الروسي ، وبالتالي لم يعد النظام في روسيا يختلف مع الادارة ألأمريكية والبريطانية والفرنسية أو أي نظام رأسمالي في العالم .
وعززت موسكو من علاقاتها مع الاحتلال الاسرائيلي، وتراجعت في صراعها مع الادارة الأمريكية ، وأقامت أوسع العلاقات مع نظم الاستبداد والنهب والفساد في المنطقة العربية .
وعملت أسلحتها الاستراتيجية على تدمير أقطار عربية ، وإقامة القواعد العسكرية ، وربط الطبقات الحاكمة بسياستها القائمة على النهب .
ورغم كل ذلك ، فإن بعض العقول العربية ، مازال يسجل موقفه من النظام في روسيا على أنه نظام شيوعي اشتراكي ، يدافع عن الشعوب والفقراء في العالم ، لأن هذه العقول توقفت عند مرحلة سابقة من الزمن ، ولم تلحظ التغيرات التي حدثت ، وبقيت ترفع الشعارات والخطابات وتكتب المقالات وكأنها مازالت تعيش في القرن الماضي .
روسيا اليوم ، دولة قوية على الصعيد الدولي ، وهي تفرض نفسها دولة محورية ومقررة في المنطقة العربية ، وتلعب دورا في أزمات دول المنطقة ، ليس من باب الصراع مع واشنطن أو لأنها تدعم نضال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه ونيل حقوقه ، بل تلعب كل هذا الدور من اجل تأمين مصالحها وحصتها في السيطرة والنهب وهي على خلاف مع الادارة الأمريكية على أرضية الوفاق في تقسيم المنطقة العربية ، ونهب الثروات الطبيعية ودعم الكيان الاسرائيلي.