اتفاق لبناني- عراقي غامض: النفط مقابل الطبابة وبسعر الدولار “الرسمي”؟
ما هي حكاية الاتفاق “الغامض” بين لبنان والعراق بشأن تبادل النفط العراقي مقابل الخدمات الطبية اللبنانية، الذي أعلن عنه وزيرا الصحة اللبناني والعراقي خلال زيارة الأخير لبنان؟
“درج” حاول الحصول على القصة الكاملة لهذا الاتفاق الذي بدا غير منطقي، خصوصاً أن الوزير العراقي وصل إلى لبنان مع طائرة مساعدات طبية، فيما أثير الجدل حول نوع الخدمات الطبية التي بإمكان لبنان تقديمها للعراق، فضلاً عن أسئلة حول مدى استفادة لبنان من النفط العراقي، خصوصاً أن الهبة التي قدمها العراق إلى لبنان سابقاً، انتهت في مخازن الجيش اللبناني، بعدما أصدرت وزارة الطاقة اللبنانية بياناً تؤكد فيه أن هبة الـ”غاز اويل” العراقي ” تم فحصها وأتت نتائج الفحوص غير ملائمة للاستعمال في معامل الكهرباء.
يكتنف الغموض “الصفقة” المفترضة. فلا أحد، من المسؤولين الرسميين في العراق يصرّح بـ”السر” وراء هذا الاتفاق. لوهلة يظن الباحث في أمر اتفاق كهذا، أنه إزاء سرّ من أسرار الدولة. وكيل وزارة الصحة العراقي هاني العقابي لا يجيب على الاتصالات. مشغول، دائماً. المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر لم يجب عن أسئلة “درج” حول طبيعة الاتفاق. اكتفى بالقول: “ستصدر التعليمات قريباً بشكل رسمي”. أما وزير النفط العراقي احسان عبد الجبار، فقد أحالنا إلى مستشار الحكومة العراقية عبد الحسين العنبكي الذي رفض الإدلاء بأي تصريح حول الموضوع وكذلك المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد الذي قال “للأسف لا أمتلك معلومات في الوقت الحاضر!”.
وبحسب تصريحات تلفزيونية لوزير الصحة العراقي حسن التميمي، فإن الاتفاق يستند إلى تزويد لبنان بالنفط في مقابل أن “يجري أطباء لبنانيون عمليات معقدة داخل العراق بحسب الاتفاق الاستراتيجي العراقي- اللبناني”. وأكد تميمي “حاجة العراق للخبرات الطبية لإجراء العمليات المعقدة داخل العراق وفي مختلف التخصصات الطبية ورفد المؤسسات الصحية العراقية بأطباء متخصصين من بيروت”.
ما أمكن الحصول عليه حول الاتفاق- اللغز من مصادر حكومية عراقية، يشير إلى أن العراق يعتزم توريد 500 ألف برميل لمدة عام واحد من مادة “الغاز أويل” بشكل دفعات إلى لبنان، ويفترض أن تستخدم في تشغيل معامل الكهرباء، وهذه نقطة تحتاج إلى توضيح للتأكد من نوع “الغاز أويل” المناسب للمعامل اللبنانية، ولا ينتهي كما هبة العراق السابقة في مخازن الجيش اللبناني من دون أن يستفيد منه اللبنانيون الذين يعانون من أزمة كهرباء خانقة. تقوم الحكومة العراقية، بموجب الاتفاق، بفتح حساب في مصرف لبنان، تودع فيه الحكومة اللبنانية أموال شرائها مادة الغاز أويل بسعر الصرف الرسمي (1500 ليرة لكل دولار أميركي)، ويستقطع لبنان من هذا الحساب المبالغ النقدية لقاء تقديمه للعراق خدمات طبية وزراعية، أي يكون لبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية تتعلق بشح احتياطاته من الدولار، قد باع خدماته بدولار على سعر الصرف المحلي، ونال في المقابل نفطاً بسعر الصرف المحلي أيضاً، وهو سعر متهاود في مقابل السعر الفعلي للدولار في السوق السوداء والذي تخطى 12000 ليرة لبنانية للدولار الواحد. وينص الاتفاق على أن تقوم الحكومة العراقية بإرسال المرضى وجرحى التظاهرات الشعبية الذين يتلقون العلاج على نفقة الدولة، إلى لبنان لتلقي العلاج فيه بدلاً من مستشفيات الهند.
تم الاتفاق على الجانب الصحي من هذه “الصفقة” خلال زيارة وزير الصحة العراقي إلى بيروت، على أن يبحث الجانبان اللبناني والعراقي في الشق المتعلق بالنفط والمنتجات الزراعية، وترك هذا الأمر لزيارة قيل إنها “مرتقبة” (في 17 نيسان/ أبريل) لرئيس الحكومة اللبناني حسان دياب إلى بغداد. لكن على غرار الاتفاق الثنائي “الغامض”، شاب هذه الزيارة المفترضة غموض وجدل مع الاعلان عن تأجيلها من قبل المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة اللبنانية الذين اعلن ان التأجيل جاء “من قبل الأشقاء في العراق”، وذلك لأسباب عراقية داخلية.
واتهمت وسائل إعلام لبنانية قريبة من “حزب الله”، رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بممارسة ضغوط على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لتأجيل الزيارة، وهو ما دفع الحريري إلى نفي الخبر في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي إن “الخبر ملفق بنسبة 100 في المائة، ولا يمت للحقيقة بأي صلة ويشكل إساءة متعمدة لرئاستي الحكومة في العراق ولبنان”.
ولا يبدو أن رئاسة الحكومة العراقية كانت على علم بزيارة رئيس الوزراء اللبناني، بحسب المعلومات المتداولة في العراق. وفوجئت بالخبر في الإعلام، وكانت الزيارة المفترضة لوفد وزاري، ولم يذكر أحد من منسقي الزيارة اللبنانيين أي إشارة إلى ترؤس رئيس الوزراء الوفد. وهو أمر يوجب ترتيبات ديبلوماسية مختلفة. ويبدو أيضاً أن الإعلان عن الزيارة من الاعلام اللبناني جاء لاحراج الكاظمي بعد زيارته السعودية، التي أزعجت المحور الذي يقف وراء حسان دياب.