مشروع الزعامة السنية: من مشروع الحريري الكبير الى منصات مواقع التواصل
يمر الشارع السني بحالة احباط كبيرة جزأته الى مجموعات ودفعته الى التعاون على “القطعة” مع هذا الفريق أو ذاك، وأفقد هذا الاحباط شخصيات سياسية فاعلة المقعد الاول في “قلوب” الجماهير داخل البيئة الممتدة على مساحة لبنان، وبات اسم أي ناشط سياسي دخل حديثا على الساحة أهم وأقوى من أسماء عريقة لها تاريخ في هذه البيئة ، وما يمكن أن يفعله الاول داخل الاحياء قد يكون فعالا أكثر من وعود أغدقها البعض لشارع أتعبه الفقر والعوز وتركه زعيمه الافتراضي للقدر.
تحول حلم الشارع السُني من البحث عن شراكة وطنية معتدلة الى “يقظة ثورية” هدفها نيل حصة غذائية أو مبلغ مالي يعتاش منه ابن صيدا وطرابلس الذي شبع من وعود دائمة بتأمين فرص عمل، فبات حلمه الابحار في قوارب الموت ليغرق في بحر المستقبل القاتم.
ضعفت الثقة بكل الطبقة السياسية، يردد معارضون في طرابلس وبيروت في مجالسهم المشتركة، يؤكدون أن مطالب شارعهم تحولت الى منصات الكترونية تُصوب كل واحدة على الأخرى، هدفها لا يتخطى موقعا رسميا من هنا أو وظيفة من هناك، وهذا الامر برأي فئة واسعة من المعارضين لا يعطي الشارع الطرابلسي أو البيروتي حقه السيادي.
تتشابه الافكار والاشكال والمضامين لكسب عطف البيئة التي كانت عمود الرئيس رفيق الحريري الفقري فيما تتداخل اليوم العوامل الاقليمية والدولية، بعد سلسلة الانتكاسات التي وقعت فيها الاحزاب السياسية والتخبط السياسي في قراءة المستجدات لاسيما فيما يتصل بأمن هذا الشارع الاجتماعي والاقتصادي.
يعتبر البعض أن الحديث عبر المنصات وانتقاد حزب الله والطبقة السياسية لا يروي ظمأ البيئة المتعطشة لخطوات استراتيجية كالتي كان يتخذها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهي في معظمها قرارات مستدامة تعمل على المشاريع التي تخدم شريحة واسعة وتؤسس للمستقبل، في حين يركز قادة اليوم على مشروع الزعامة السنية من دون الالتفاف الى المطالب الوجودية لشارعهم، في حين يرى هؤلاء أن قوى أُخرى تقارب مشروعها السياسي كهدف شامل يتناول كل مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والامنية لبيئتها، في حين نجد على المقلب الآخر وتحديدا في مناطق طرابلس وصيدا والبقاع اشكالات وسقوط قتلى وجرحى اما بسبب حصة غذائية مقدمة من رجل اعمال أو دولة صديقة أو على افضلية مرور أمام محطة بنزين لتعبئة القليل من هذه المادة.
بين المنصات والوعود ضاع هذا الشارع وتقاذفته امواج الحسابات الضيقة والشخصية فيما البحث يتركز اليوم على كيفية الخروج من مأزق تأليف الحكومة وابعاد شبح “ثلث العهد المعطل” على مسيرة الرئيس المكلف سعد الحريري، ولا يزال صدى خطابه ذات آب عام 2017 مسموعا لدى الشارع الطرابلسي حين صعد الرجل على المنبر مدشنا محطة التحويل الرئيسية في منطقة البحصاص-طرابلس ومتغزلا برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي كان حاضرا الى جانبه، يومها قال الحريري حرفيا: “هناك من سيقول اليوم كيف لرئيس الحكومة أن يمثل رئيس الجمهورية ميشال عون، فرئيس الحكومة يذهب إلى كل الأماكن ويمثل لبنان، فأنا لي الشرف أن أمثل فخامة الرئيس. ففي هذه الأيام هناك الكثير من المزايدات والكلام الكثير، وكأن المواقع تذهب. المواقع تبقى حيث هي وكل شخص يعرف مكانته وصلاحياته. فمن يريد أن يزايد، لا يزايد على سعد رفيق الحريري”.
بعد ثلاث سنوات ونصف طارت المحطة على مرأى الشعب اللبناني وطار معها شهر العسل الرئاسي، وبات جبران الخصم اللدود للحريري، فيما سمحت منصات الاقطاب السياسية السنية للدول الاقليمية والعربية بالدخول مباشرة على الخط، والعمل على ارض الواقع لاستقطاب الفعاليات واستحداث أُخرى تمسك بزمام المبادرة عبر المساعدة والاحتضان والتطلع الى حزب الله وايران كمشروع عدائي جديد يجب مواجهته ببدائل جديدة ، وهكذا مشروع تكون هزيمته من خلال دول تخطط وتنفذ.