كتبت : راوند ابوخزام
تعددت ذرائع “التيار الوطني الحر” وتراوحت بين التمسك بالصلاحيات الدستورية والأطر الميثاقية، أما النتيجة فواحدة، لا حكومة وترسيخ اعتبار فريق رئيس الجمهورية معرقلاً في نظر الأطراف اللبنانية والمجتمع الدولي، لا بل يذهب البعض إلى القول إن الفريق المعرقل بالنسبة إلى المجتمع الدولي له اسم واحد: جبران باسيل.
ففي حين غابت لغة التعطيل عن كلام مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل في الصروح التي زارها، واقتصر كلامه من عين التينة بعد لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري على دعوة القادة اللبنانيين إلى إبداء المرونة الكافية لتشكيل حكومة، إلا أنه خص بعبدا بكلامه عن التعطيل قائلاً: “لقد حان الوقت الآن لتشكيل حكومة وليس عرقلة قيامها”.
فسر البعض كلام هيل من منبر بعبدا على أنها فرصة أخيرة للفريق الرئاسي للحد من التعطيل، وإلا ستستمر العقوبات من غير تحديد وجهتها، أميركية كانت أم أوروبية، وخصوصاً أنه أورد في تصريحه ما حرفيته: أولئك الذين يواصلون عرقلة تقدّم أجندة الإصلاح، يغامرون بعلاقتهم بالولايات المتحدة وشركائها ويعرّضون أنفسهم للإجراءات العقابية. أما الذين يعملون على تسهيل التقدّم، فيمكنهم الاطمئنان لدعمنا القوي.
مصادر مقربة من رئيس الجمهورية وصفت لقاء عون هيل بالمرن والجيد بكل مضامينه ووضوحه، فتميز بوضوح الموقف الرئاسي اللبناني واستعداد الطرف الأميركي للتسهيل والمساعدة. ونفت هذه المصادر أن يكون هيل قد تحدث أمام عون عن عقوبات ولا عن تحميل فريق رئيس الجمهورية مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة.
وقالت هذه المصادر إن هذا الاستحقاق يعتبره الأميركي استحقاقاً داخلياً سيادياً، والأهم من تأليف الحكومة هو ما سينتج عنها من إصلاحات بنيوية كبيرة على مختلف الصعد، تمكيناً للصناديق والدول المانحة أو المقرضة من مساعدة لبنان، إلى جانب المساعدات الإنسانية والمساعدات الكبيرة التي تمكن لبنان من اجتياز الأزمة الاقتصادية والنقدية والاجتماعية التي يمر بها.
الملفان الأساسيان لدى الأميركيين هما: تأليف الحكومة، وترسيم الحدود البحرية. والمقاربتان تختلفان بين بعبدا وواشنطن، ففي ملف الترسيم قال هيل إن أميركا تقف على أهبة الاستعداد لتسهيل المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على “الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات. ويمكن، عند الاقتضاء، استقدام خبراء دوليين للمساعدة”. وهذا ما فسره البعض تمسكا ًفي الانطلاق من اتفاق الإطار الذي وضعه رئيس مجلس النواب في عهدة رئاسة الجمهورية بعد عشر سنوات من المفاوضات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة، إلا أن رد رئاسة الجمهورية اعتبرته المصادر عنيفاً بوجه الأميركيين بعد أن أكد أن للبنان الحق في تطوير موقفه وفقًا لمصلحته وبما يتناسب مع القانون الدولي ووفقًا للأصول الدستوريّة. وهذا ما يؤسس كباشاً جديداً مع الأميركيين وساحة جديدة لفرض العقوبات على مقربين من الرئاسة.
أما الرسالة الأعنف التي أودعها الأميركيون في القصر الجمهوري فهي تحميل العهد مسؤولية تقويض مؤسسات الدولة الشرعية على حساب تقوية “حزب الله”، فقد قال هيل: “إن تكديس حزب الله للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوّض مؤسسات الدولة الشرعية. إنه يسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر. وإيران هي التي تغذّي وتموّل هذا التحدي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية”.
مصادر مقربة من رئيس الجمهورية أكدت أن عون لم يأتِ على ذكر “حزب الله” والمقاومة خلال لقائه هيل، إنما تحدث فقط عن “حقوقنا السيادية ورغبة الرئاسة في أن تلجأ بطرحها الجديد، أي تعديل مرسوم الترسيم، إلى خبراء دوليين، على اعتبار أنه من المفترض أن تكون أميركا الوسيط النزيه والمسهّل، وطالبنا بمعاودة التفاوض، إذ إنه من غير المقبول انقطاع التفاوض من قبل طرف واحد، فسلاحنا أمضى، أي سلاحنا أقوى. أما وقد تكلم هيل عن إيران و”حزب الله” من بعبدا، فهذا لأنه يرى في هذا الصرح مقاماً رئاسياً يمكنه أن يتناول فيه كل الملفات الحساسة”.
في خضم كل هذه السجالات، ما يعني المواطن اللبناني انتظام المؤسسات الدستورية التي تضمن استمرارية الحياة الطبيعية والآمنة، وفي الأولوية تأليف حكومة تضع البلاد على سكة الخروج من المآزق السياسية والاقتصادية والنقدية والاجتماعية، إلا أن المكتوب الذي يُقرأ من عنوانه: لا حكومة في المدى المنظور والسجالات السياسية والكيديات بين الفرقاء السياسيين ستستمر لتقضي على ما تبقى من مقومات العيش. ويبقى التعويل على الحراك الدولي وحرص المجتمع الدولي الظاهر على الحفاظ على أمن لبنان، فاهتمام الخارج لا بد أن يُبنى عليه داخلياً لخرق الجمود الحاصل ولفتح المجال أمام محاولات تأليف حكومة إنقاذية في لبنان.