ابراهيم ريحان – أساس ميديا
“ترسيم الحدود وتشكيل الحكومة”. هذه الجملة التي تختصر اللقاءات التي عقدها وكيل وزارة الخارجيّة للشؤون السّياسيّة ديفيد هايل خلال جولته على مسؤولين لبنانيين، مبعوثًا من وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن.
زيارة هايل هذه، تختلف عن الزيارتين الأخيرتين له أواخر عام 2019 وفي آب 2020. إذ إنّها الزّيارة الأولى له بعد رحيل إدارة الرّئيس دونالد ترامب التي لم يكن هايل الدّيمقراطيّ على توافقٍ تامٍّ معها فيما يتعلّق بالملفّ اللبناني وسياسة “الضّغط الأقصى”.
“أساس” حصلَ على معلوماتٍ خاصّة تتعلّق بما تداوله المبعوث الأميركي والمسؤولين الّذين التقاهم.
الجلسة بين هايل و”فريق الرّئيس عون” فورَ وصوله إلى بيروت مساءَ الثّلاثاء جاءَت استباقاً للقائه برئيس الجمهوريّة للوقوف على حقيقة الموقف الأميركي من تعديل المرسوم 6433. وفي هذا الإطار، سَمِعَ الفريق الرّئاسي من المسؤول الأميركي أنّ بلاده “لا تُشجّع الإقدام على هذه الخطوة، خصوصًا بعد التّوصّل إلى اتفاق الإطار مع الرّئيس نبيه برّي خريف 2020”. وأكّد هايل في المقابل أنّ واشنطن تدعم التّفاوض انطلاقًا من الحدود التي أبلغ لبنان الأمم المُتّحدة بشأنها عام 2011.
ويتوقّف بعض المراقبين على “تركيبة” الوفد العوني الذي التقى هايل مساءَ الثّلاثاء. إذ ضمّ النّائب آلان عون الّذي يُوصَف بتمثيله للجناح المستقل أو المُعتدِل في التّيار الوطني الحرّ والّذي يتباين في كثير من الملفات مع رئيس التّيار جبران باسيل، المُدرج على لوائح العقوبات الأميركيّة. ومعه كان النّائب إلياس بوصعب الممثّل بباسيل، والمُستشار سليم جريصاتي المحسوب على الرئيس عون.
بعد الجلسة التحضيريّة للقاء عون- هايل، زار وكيل وزارة الخارجيّة الأميركيّة قصر بعبدا أمس الخميس، مُجدّدًا الدّعوة الأميركيّة للإسراع في تشكيل الحكومة وُفقَ المبادرة الفرنسيّة. ولم يَغِب عن اللقاء التّلويح بعقوبات أميركيّة على معرقلي تشكيل الحكومة. إذ أكّد هايل لعون أنّ بلاده ستتّخذ بالتنسيق مع شركائها الفرنسيين والأوروبيين إجراءات عقابيّة كونهم يُعرقلون إطلاق الإصلاحات. وبعد عصا العقوبات، كَشَفَ هايل عن “جزرة” الدّعم الأميركي لكلّ من يُسهّل التشكيل ويساهم في تحريك عجلة الإصلاحات.
هايل مرتاح مع عون
فيما يتعلّق بملف ترسيم الحدود، فكان هايل واضحًا أمام من التقاهم، بأنّ بلاده جاهزة لاستكمال وساطتها في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل من النّقطة التي توقّفت عندها، واصفًا إيّاها بـ”الفرصة التي لا تُعوَّض”. وقال إنّ واشنطن “غير مُرتاحة” لما آلت إليه الأمور مؤخّرًا في هذا الملف.
وشدّد “الضيف” الأميركي أمام رئيس الجمهوريّة على أنّ حدود لبنان البحريّة التي ينبغي أن تُستَكمل المفاوضات بشأنها هي تلك التي أودعها لُبنان الرّسمي في الأمم المُتّحدة، وأنّ أي تغيير في هذا الشّأن لن يكون في مصلحة لبنان الذي يحتاج إلى الفوائد الاقتصاديّة الكبيرة التي ستعود عليه في حال أنجِزَ ترسيم الحدود.
وعرض هايل على عون الاستعاضة عن تعديل المرسوم 6433 باستقدام خُبراءَ دوليين عند الحاجة للمُساعدة في إيضاح أي نقاطٍ عالقة في هذا الشأن. ولم يُخفِ الموفَد الأميركي ارتياح بلاده لعدم توقيع الرّئيس عون تعديل المرسوم 6433.
في عين التينة
ما كان لافتًا في لقاء هايل مع الرئيس برّي غِياب موضوع ترسيم الحدود عن كلمته من عين التينة عقب لقائه بـ”مُهندِس اتفاق الإطار”. ونَقَلت أوساط مُتابعَة للقاء لـ”أساس” أنّ الاجتماع بين برّي وهايل كان “إيجابيًا جدّاً”، والطّرفان تفهّما المخاطر التي يمرّ بها لبنان واتفقا على “ضرورة عدم انتظار الخارج”. وأشارت المصادر إلى أنّ موقف المبعوث الأميركي هو الذي “فرمَلَ” سرعة السير في تعديل المرسوم 6433.
هذه المعطيات تؤكّد أنّ حراك قيادة الجيش في هذا الإطار لم يكُن بإيعاز أميركيّ كما حاول البعض تصوير الأمر، لأنّ الموقف الأميركي يعارض ما قامت به قيادة الجيش بشكل كامل.
أمّا فيما يتعلّق بملفّ تشكيل الحكومة وإمكانيات مُساعدة لبنان، فقد أكّد هايل خلال لقاءاته أنّ بلاده باتت مُستعدّة لمُساعدة لُبنان، لكنّه اشترط “على السّياسيين أن يُشكِّلوا حكومة تقوم بإصلاحات جديّة وتحظى بثقة المُجتمع الدّولي واللبنانيين”.
وفي موقفٍ يعكُس توجّه الإدراة الأميركيّة الجديدة، قال هايل أمام من التقاهم إنّ بلاده معنيّة بمُساعدة لبنان وأوضح أنّها لم تتخلَّى عنه. لكن في الوقت عينه، كان واضحًا في نقله امتعاض حُلفاء الولايات المُتحدة الأوروبيين والخليجيين الّذين “فقدوا الصّبر على تصرّف القيادات السّياسيّة في لُبنان” على حدّ ما نقلت لـ”أساس” مصادر واكبت الزيارة، وأكّد هايل دعم بلاده للجيش اللبناني وأنّه صدر قرار من الإدارة الأميركية بمساعدة قيمتها 60 مليون دولار تحتاج إلى موافقة الكونغرس.
لا تنتظروا واشنطن وطهران
“لا تنتظروا شيئًا من الخارج لأنّه لن يأتي”. هذه العبارة كرّرها ديفيد هايل أمام من التقاهم، في إشارةٍ إلى خطورة الرّهان على المُفاوضات الأميركيّة – الإيرانيّة. كما لَفَت إلى أنّ البحث في الملف اللُبناني سيتأخّر إلى مرحلة طويلة ما بعد الانتخابات الرّئاسيّة الإيرانيّة، أي إلى فترة الخريف وليس الصيف، وتحديداً بين أيلول وتشرين الأوّل.
وكَشفَ الدّبلوماسي الأميركي أنّه لا توجد أرضيّة مُشتركة بين بلاده وبين إيران بشأن حزب الله وسلاحه. إذ إنّ إيران ترى في الحزب “استثمارها الأكبر” في المنطقة، بينما يرى الأميركيّون أنّه “الخطر الأكبر”. وبالتّالي فإنّ انتظار توافق أميركي – إيراني في هذا الشّأن هو مضيعة للوقت وسيؤدّي إلى مزيدٍ من الانهيار في لبنان. واعتبرَ أنّ آفاق التّوافق بين واشنطن وطهران أوسع في العراق واليمن وحتّى في سوريا، لكن ليس في لبنان.
وهذا ما عَكَسته كلمة هايل من قصر بعبدا، حيث اختار التّصويب على حزب الله وإيران. مُعتبرًا أنّ “الحزب يُكدّس الأسلحة الخطرة ويُمارس التهريب والأنشطة الفاسدة ليُقوّض مؤسسات الدّولة الشّرعيّة، ويسلُبَ اللبنانيين القدرة على بناء بلدٍ مُزدهِر بتمويل إيرانيٍّ لهذا التّحدّي للدولة والتشويه للحياة السّياسيّة اللبنانيّة”.
البطريك الرّاعي: لعقد مؤتمر دولي
وفي لقائه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الرّاعي، أكّد هايل موقف بلاده بشأن تشكيل حكومة اختصاصيين، مُطَمئناً إلى أنّ “المُرونة الأميركيّة في مسألة تشكيل الحكومة ليست تراجعاً أمام حزب الله على الإطلاق”. وأكّد في بكركي أنّ بلاده “تُحاول إعادة إحياء مفاوضات ترسيم الحدود وُفقَ اتفاق الإطار الذي أبرمه الرّئيس نبيه برّي”.
وعَلِمَ أساس من مصادر مُتابعة للقاءات هايل أنّ البطريرك الماروني جدّد أمام ضيفه الأميركي الدعوة إلى أن تتبنّى الولايات المُتّحدة “مشروع الحياد” وأن تدعَم “عقد مؤتمر دوليّ في الأمم المُتحدة لإنقاذ لُبنان”. وعدّدَ الرّاعي أمام هايل عددًا من المسائل التي يعتَقِد أن لا حلّ لها سوى بعقد هذا المؤتمر وهي:
– مصير سلاح حزب الله والتنظيمات الفلسطينيّة.
-ترسيم الحدود مع فلسطين المُحتلّة وسوريا.
– تنفيذ قراريّ مجلس الأمن الدّولي 1559 و1701.
– حلّ مُشكلة النّازحين السّوريين واللاجئين الفلسطينيين.
وكَشفت المصادِر أنّ هايل كان مُتفّهمًا لكلام البطريرك، وسيقوم بنقله لإدارته التي هي على اطّلاع على طروحاته وأن لا بُدّ من العَمل على ما تمّ ذكره.
جعجع: تبادل لوجهات النّظر
وفي معراب، وَصَفت مصادر مُطّلعة لـ”أساس” اللقاء بين هايل ورئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع بأنّها “إيجابيّة”، وأنّها تدخل في إطار “الاتصال الدّائم”. إذ إنّ هايل استمع إلى طروحات القوّات والحلول المُقترحة للخروج من الأزمة. كما كان هُناك تبادلٌ لوجهات النّظر بين الطّرفين حول تعديل المرسوم 6433 الذي كانت القوّات اللبنانيّة من مُؤيّدي توقيعه وإرساله إلى الأمم المُتحدة.