تريد واشنطن إقفال ملفّ تعديل مرسوم ترسيم الحدود البحرية، مفترضة أن هذا الإقفال تليه العودة إلى طاولة المفاوضات على الأسس السابقة، وفق ما أعلن ديفيد هيل. لكن في المقابل، انتزع رئيس الجمهورية موافقة الوسيط الأميركي على الاستعانة بخبراء دوليين لترسيم الحدود، وهو ما كان يرفضه العدو الإسرائيلي. من جهة أخرى، قررت قطر خرق الحظر العربي المفروض على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، واستقباله الأحد المقبل
بناء على ما تقدم، وبعد تأكيد هيل ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، يبدو أن هذه المفاوضات لن تتأخر قبل الانطلاق، من دون أن يعرف كيف سيتعامل الوفد المفاوض مع التطورات الجديدة. هل يكمل من حيث بدأ، أي من خلال المطالبة بـ 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية إلى المنطقة اللبنانية المحددة بموجب المرسوم 6433 أم يتراجع عنه للمطالبة بالـ 860 كيلومتراً التي تصرّ «إسرائيل» على تقاسمها مع لبنان؟
من ناحيته، أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أهمية استمرار المفاوضات، واستكمال الدور الأميركي «من موقع الوسيط النزيه والعادل». وفي الوقت نفسه، ترك عون الباب مفتوحاً على إمكانية العودة إلى تفعيل مسألة المرسوم، مشيراً الى أنه «يحقّ للبنان أن يطوّر موقفه وفقاً لمصلحته وبما يتناسب مع القانون الدولي ووفقاً للأصول الدستورية».
وطالب الرئيس عون بـ«اعتماد خبراء دوليين لترسيم الخط والالتزام بعدم القيام بأعمال نفطية أو غازية وعدم البدء بأيّ أعمال تنقيب في حقل كاريش وفي المياه المحاذية»، مؤكداً أنه لن يفرّط «بالسيادة والحقوق والمصالح اللبنانية». كما شدد على «ضرورة أن يكون ترسيم الحدود موضع توافق بين اللبنانيين».
أما هيل، فقال بعد لقائه عون، أمس، إن «أميركا تقف على أهبة الاستعداد لتسهيل المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات». وأكد أنه «يمكن، عند الاقتضاء، استقدام خبراء دوليين للمساعدة في إطلاعنا جميعاً».
ولاحقاً، أصدرت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بياناً تلاه المستشار الإعلامي والسياسي لعون، أنطوان قسطنطين، وفيه تأكيد من رئيس الجمهورية على نقاط ثلاث:
1- هو مؤتمن على السيادة والحقوق والمصالح ولن يفرّط بها.
2- تجنيب لبنان أيّ تداعيات سلبية قد تتأتّى عن أيّ موقف غير متأنٍّ.
3- بذل كل الجهود ليكون ترسيم الحدود موضع توافق بين اللبنانيين وليس موضع انقسام بهدف تعزيز موقف لبنان في المفاوضات.
وكان هيل قد تطرّق في تصريحه، بعد اللقاء، إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية. وقال: «لقد حان الوقت الآن لتشكيل حكومة وليس عرقلة قيامها، الآن هو وقت الإصلاح الشامل. فأميركا والمجتمع الدولي هما على استعداد للمساعدة. لكن لا يمكن المساعدة من دون الشريك اللبناني. وأولئك الذين يواصلون عرقلة تقدم أجندة الإصلاح، يغامرون بعلاقتهم مع الولايات المتحدة وشركائها ويعرّضون أنفسهم للإجراءات العقابية». أضاف: «أما الذين يعملون على تسهيل التقدم، فيمكنهم الاطمئنان لدعمنا القوي».
وكما في كل لقاءاته، لم ينس هيل تحميل مسؤولية الانهيار إلى حزب الله، فاعتبر أن «تكديس حزب الله للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى تقوّض مؤسسات الدولة الشرعية وتسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر». كما قال إن «إيران هي التي تغذّي وتموّل هذا التحدّي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية». لكنه في الوقت نفسه عاد وأكد أن «العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي مع إيران تصبّ في مصلحتنا وفي مصلحة الاستقرار الإقليمي، لكنها لن تكون سوى بداية عملنا». وفي رسالة إلى الحلفاء في لبنان، طمأن هيل إلى أن أميركا «لن تتخلّى عن مصالحها وأصدقائها في لبنان» بعد إحياء الاتفاق النووي.
الحريري ــــ بوتين: اتصال لا لقاء
إلى ذلك، كان لافتاً أن زيارة سعد الحريري لموسكو لم تتوّج بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل تم الاكتفاء باتصال هاتفي أجراه الحريري من مقر إقامته في قصر الضيافة التابع لوزارة الخارجية الروسية. لكن مستشار الحريري جورج شعبان أوضح في اتصال مع «الجديد»، أن ذلك لم يكن مفاجئاً، وكان الوفد على علم به، وهو يعود إلى الإجراءات التي يتّبعها الكرملين للوقاية من فيروس كورونا. كما ذكر أن الحريري استُقبل رسمياً بصفته رئيس حكومة لبنان.
وكان لافتاً أن البيان الرسمي الصادر عن مكتب الحريري، استناداً إلى ما وصفه بـ«مصادر الوفد اللبناني»، أشار إلى أن الاتصال، «الذي استمر لخمسين دقيقة، كان ممتازاً. وتركّز على الأزمة الحكومية في لبنان، حيث تم التشديد خلاله على ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن. كما تطرق البحث إلى آفاق التعاون بين لبنان وروسيا في مجال مكافحة جائحة كورونا وإمكانية تزويد روسيا للبنان بكميات من اللقاح اللازم. وتم التفاهم على مواصلة البحث بين الجانبين الروسي واللبناني للاستفادة من الدعم الروسي للبنان في مختلف المجالات وتسهيل الأرضية أمام الشركات الروسية للاستثمار في لبنان والشركات اللبنانية للاستثمار في روسيا».
من جهته، أفاد بيان صادر عن الكرملين بأن «الحريري أطلع بوتين على تطورات الوضع الداخلي في لبنان، كما على الإجراءات المبدئية من أجل تشكيل الحكومة الجديدة وتخطّي الأزمة الاقتصادية». وتم التأكيد من قبل الجانب الروسي على موقف روسيا المبدئي في دعم سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه.
وفي سياق متصل، أجرى الحريري محادثات مع رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين في مقر رئاسة الوزراء الروسية، تناولت آخر التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وقال الحريري لمضيفه إن «صعوبة الوضع الآن هي في تشكيل حكومة من الاختصاصيين لكي نقوم بكل الإصلاحات المطلوبة. ولكن حين نشكل الحكومة ونجري الإصلاحات اللازمة، نريدكم أن تعلموا أننا نرغب في رؤية كل الشركات الروسية تأتي إلى لبنان لكي تستثمر فيه في المرافق الموجودة، سواء الكهرباء أو المرافئ أو الطرقات أو كل ما يتعلق بالبنى التحتية».
دياب إلى قطر: لن أرفع الدعم
وفيما كان الحريري يجري محادثات رسمية بصفته رئيساً للوزراء، كان الرئيس حسان دياب يترأس اجتماعاً حول موضوع أزمة المحروقات، حضره وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إضافة إلى عدد من المديرين العامين وأصحاب شركات النفط.
وبعد الاجتماع، قال وزير الطاقة: «تبيّن لنا أن السبب الأساسي لأزمة البنزين هو التهريب إلى خارج الأراضي اللبنانية بسبب الفرق في الأسعار بين لبنان وسوريا. فسعر صفيحة البنزين في لبنان 40 ألف ليرة لبنانية، أما السعر الرسمي في سوريا فيصل إلى 140 ألف ليرة، وفي السوق السوداء إلى 240 ألف ليرة». وقال إن الحل هو بضبط سعر هذه المادة، ولن يرفع الدعم قبل اعتماد البطاقة التمويلية من ضمن خطة الترشيد. ودعا غجر المواطنين إلى عدم التهافت على شراء البنزين وتخزينه لأن الحكومة لن ترفع الدعم خلال وقت قريب.
في اللقاء، أعاد دياب تأكيده أنه في ظل حكومة تصريف الأعمال لن يرفع الدعم، إلا إذا أقرّ مجلس النواب قانوناً يغطي اعتمادات البطاقة التمويلية.
من جهة أخرى، لم تتبلّغ دوائر رئاسة الحكومة من نظيرتها العراقية موعداً لدياب لزيارة بغداد، بدلاً من موعد 17 نيسان الذي أرجئ سابقاً من قبَل الجانب العراقي، من دون شرح الأسباب ولا تحديد موعد بديل. وفي الوقت عينه، علمت «الأخبار» أن دياب سيزور العاصمة القطرية الدوحة، يوم الأحد المقبل، على أن يكون يوم الثلاثاء. ولن يرافق دياب إلى الدوحة أحد من الوزراء، إذ يقتصر الوفد على دياب ومستشاره خضر طالب، ومدير المراسم في رئاسة الحكومة لحود لحود، والباقي أمنيون. ولا يزال دياب يحيط خبر الزيارة بطوق من السرية، علماً بأنها ستكون الأولى له إلى الخارج منذ تولّيه رئاسة الحكومة، بعد إلغاء زيارته إلى القاهرة قبل أشهر، ومن دون معرفة مصير زيارته المرجأة إلى بغداد.