مشهدان خطفا الأنظار على الساحة الداخلية اللبنانية أمس، جولة الموفد الأميركي ديفيد هيل وزيارة الرئيس سعد الحريري موسكو والاتصال الهاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي أدخل روسيا مباشرة في عملية تشكيل الحكومة. وشكل هذين المشهدين مفارقة كبيرة على الساحة اللبنانية، خصوصاً وان واشنطن وموسكو الغارقتين في صراع ديبلوماسي واستخباراتي واعلامي تصاعدي حاد بينهما يذكر بالحرب الباردة، لم تبخلا على لبنان بفسحة اهتمامات ارتسمت عناوينها بين اليوم الثاني والاخير لزيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت وزيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في يومها الثاني لموسكو.
جولة هيل بين الحدود والحكومة
اذا، اختتم وكيل وزارة الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل زيارته الرسمية بيروت أمس بعد ان التقى مجموعة من القيادات السياسية، وشكل الموضوعين الحكومي والحدودي محور الاجتماعات.
ففي الموضوع الأول، كان لافتاً التأنيب العالي النبرة الذي وجهه هيل للمسوؤلين الكبار المعنيين بتأليف الحكومة، التي هي الشرط الضروري واللازم من أجل تكوين شراكة مع المجتمع الدولي، لا سيما مع الولايات المتحدة لتقديم ما يلزم من مساعدات بعد الإصلاحات.
و علمت “اللواء” أن النقاش بين رئيس الجمهورية وهيل لم يدخل في تفاصيل الملف الحكومي لكن برزت رغبة مشتركة في الاستعجال في التأليف كي تنفذ الخطوات الإصلاحية.
في المقابل، كشفت مصادر مطلعة لـ”الديار” ان الدبلوماسي الاميركي الذي دعا الى الإسراع بتشكيل الحكومة، حذر باسلوب دبلوماسي الرئيس عون من التمادي في تعطيلها، ووفقا للمعطيات حمّل هيل فريق الرئيس عون مسؤولية تأخير “الولادة” الحكومية، وتحدث بصراحة مطلقة طالبا اطلاق يد الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيلها، فرد عليه الرئيس قائلا، لا يمكن ذلك لان الحكومة معرضة للسقوط في مجلس النواب اذا لم تتم استشارة الكتل الرئيسية، فكان جواب هيل مباشرا ومفاجئا، وقال “عندها لتسقط في مجلس النواب فتصبح حكومة تصريف اعمال!”.
وفيما اعاد الرئيس عون تحميل الرئيس المكلف سعد الحريري مسؤولية عدم تأليف الحكومة من خلال تجاوز المعايير الميثاقية في التأليف وتفضيله الرحلات الخارجية على الحوار الداخلي البناء، حذر هيل من اضاعة الوقت، وفي “غمز” من “قناة” الرئاسة الاولى دعا الى مراجعة كل طرف لحساباته وعدم الوقوف امام المصالح الشخصية والتخلي عن الشروط المعرقلة لتاليف حكومة تتوافق مع متطلبات المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، بحسب “الديار”.
أما في موضوع ترسيم الحدود، فقد برز خلاف اميركي- لبناني حوله إلى العلن.. فوفقاً للدبلوماسي الأميركي، الذي رافق الاعداد للمفاوضات، وساهم في اطلاقها، فقد أعلن ان أميركا تقف على اهبة الاستعداد لتسهيل المفاوضات بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات.. ملمحاً إلى امكانية الاستعانة “بخبراء دوليين للمساعدة”.
وبحسب “النهار” فان رئيس الجمهورية استشعر بعلامات إيجابية ومريحة له من موقف هيل حيال عدم امتناع ادارته عن المضي في رعاية مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، كما من عدم ممانعته الاستعانة بخبراء دوليين، فان ذلك لم يخف معالم الحرج الذي استشعرته بعبدا وحلفائها جراء الهجوم العنيف الذي خص به هيل “حزب الله ” من بعبدا بالذات بما فسر بانها رسالة أميركية مزدوجة لعون والحزب معاً. كما ان الحرج نفسه برز في ملف الحكومة اذ رغم تخصيص هيل معظم بيانه لاعادة تحديد موقف بلاده الصارم من تشكيل حكومة تطلق المسار الإصلاحي، فان بيان بعبدا انحصر بموضوع المفاوضات وتجاهل تماما أي ذكر لملف تشكيل الحكومة.
الى ذلك، قالت مصادر سياسية واكبت لقاءات رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الاميركية دايفيد هيل مع حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية ان النقاش تطرق إلى موضوع إجراء انتخابات نيابية مبكرة لترجمة رغبة الانتفاضة الشعبية التي جرت في التاسع عشر من تشرين بتغيير الطبقة السياسية، لمباشرة التغيير المطلوب وإجراء الاصلاحات اللازمة في مختلف مؤسسات الدولة. إلا أن هيل اعتبر ان اجراء انتخابات مبكرة لا يحل المشكلة، والاولوية هي لتشكيل الحكومة الجديدة سريعا لكي تتولى معالجة الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان من مختلف جوانبها وهذه الحكومة تتولى ايضا القيام بالاصلاحات الهيكلية المطلوبة في مختلف الوزارات وادارات الدولة.
الحريري وزيارة موسكو
في هذه الأثناء، كان الرئيس الحريري في موسكو يتابع لقاءاته مع كبار المسؤولين الروس، ويتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدلاً من اللقاء الذي كان متوقعاً بين الحريري وبوتين، وقال بيان صادر عن مكتب الحريري إن الاتصال مع بوتين استمر خمسين دقيقة وإن الحريري عومل كرئيس حكومة خلال زيارته، بينما كان لافتاً كلام الحريري بحضور رئيس الحكومة الروسية عن دعوة الشركات الروسية إلى المشاركة في الأعمال في لبنان، فيما قالت مصادر روسية إن موسكو مهتمة بمشروع إعمار واستثمار مرفأ بيروت وبمشاريع توليد الطاقة الكهربائيّة، ولها اهتمام خاص بملفات التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية.
وتركز الاتصال الذي وصفته مصادر الوفد اللبناني بالممتاز مع بوتين على موضوع الأزمة الحكومية في لبنان. وتمّ التفاهم على مواصلة البحث بين الجانبين الروسي واللبناني للاستفادة من الدعم الروسي للبنان في مختلف المجالات وتسهيل الأرضية أمام الشركات الروسية للاستثمار في لبنان والشركات اللبنانية للاستثمار في روسيا.
نقلت أوساط واسعة الاطلاع في موسكو أنّ الإدارة الروسية تتعامل مع الحريري على أنه “رئيس حكومة الاستقرار في لبنان”، أوضحت مصادر مواكبة للزيارة أن بوتين كان قد تلقى الجرعة الثانية من اللقاح المضاد لكورونا عشية وصول الحريري وتعامل مع كل ضيوفه الرسميين على الشكل الذي تعامل فيه مع الحريري، وآخرهم رئيس الوزراء الليبي الذي تحادث هاتفياً مع الرئيس الروسي خلال تواجده راهناً في موسكو، كاشفةً أنّ الرئيس المكلف سمع تأكيداً من بوتين على العمل “لإنقاذ لبنان”، واعداً بأن يستمر الجانب الروسي في التواصل “مع كافة الأطراف المؤثرين لحثهم على لعب دور فاعل والضغط في سبيل الإسراع في تشكيل حكومة تكنوقراط لا ثلث معطلاً فيها”، وذلك انطلاقاً من تشديد الرئيس الروسي على أنّ “موسكو حريصة على مساعدة لبنان وستتحرك في سبيل إنقاذه من المحنة التي يمرّ بها”. ولفتت المصادر إلى أهمية اللقاء الذي سيجريه اليوم الرئيس المكلف مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والذي سيحمل “طابعاً إقليمياً” لا سيما غداة عودة الأخير من زيارة مكوكية إلى المنطقة شملت القاهرة وطهران.
وفي الشق الاقتصادي، نقلت المصادر أنّ الحريري سمع “كلاماً داعماً وواعداً بأن الشركات الروسية مستعدة للاستثمار في لبنان في مختلف المجالات، لا سيما في إعادة إعمار وتشغيل المرفأ، وفي البنى التحتية ومجال الطاقة”، كما تلقى وعداً من الرئيس الروسي بتزويد لبنان بكميات من لقاح “سبوتنيك في”.
وفي هذا الاطار، لفتت أوساط سياسية لـ”البناء” إلى أن “الجهود الدولية الرامية لتأمين توافق حول تأليف الحكومة في لبنان مستمرة ولم تتوقف، لكنها لم تصل الى خواتيم إيجابية حتى الساعة”، ورأت أنه “رغم الحراك الدولي لكن الظروف لم تنضج بعد بانتظار جملة ملفات واستحقاقات من المتوقع أن تنعكس على الساحة اللبنانية كالمفاوضات الأميركية الغربية – الايرانية حول الملف النووي، ومفاوضات إنهاء الحرب المستمرة في اليمن والحل السياسي في سورية والانتخابات الرئاسية السورية في ظل استمرار الحصار المالي والاقتصادي المفروض على دمشق من خلال قانون قيصر الذي يصيب لبنان أيضاً ويحول دون انفتاحه الاقتصادي على المحيط الجغرافي العربي”، مشدّدة على أن لبنان لن يخرج من أزمته في ظل استمرار هذا الحصار الخارجي والأميركي تحديداً على سورية ولبنان.