} د. وفيق إبراهيم-البناء
ليس غريباً أن يعجز لبنان عن التوصل إلى صيغة جديدة تقفل أبواب الصيغة القديمة التقليدية، وتنفتح على قراءات جديدة تمسك بالصيغة القديمة وتضعها مجالاً لتسويات بين قديم وجديد يعاود دفع الصيغة القديمة نحو أبواب جديدة تنفتح واسعاً بين السنة والموارنة مع دفع شيعيّ له متنفس إقليمي واسع يربط بين سورية وإيران.
هذا هو لبنان الذي يريد الاستفادة من الأميركيين والفرنسيين والسعوديين ومجمل العربان حتى العمق العراقيّ.
فهل هذا ممكن؟ بوسع بلاد الأرز الانتفاع من التطورات العربية الواسعة، خصوصاً من جامعة الدول العربية التي يريد الأميركيون والفرنسيون تنصيبها بديلاً من النفوذ الإيراني السوري على أساس أن النفوذ الغربي جانحٌ بسرعة نحو الإمساك بجامعة الدول العربية وواضعاً حداً قاسياً أمام إيران ومتعمداً إيقاف سورية عند البوكمال ومناطقها الشرقية، فما يهمّ الأميركيين اليوم هو منع أية ارتباطات سورية عراقية انطلاقاً من الحدود المشتركة ومنع الاتصالات المشتركة مع إيران.
الأميركيون إذاً يعملون على منع الاتصالات الإيرانية العراقية السورية ويؤسسون لبناءات كرديّة قاسية في إقليم كردستان عاملين على دعم الأتراك في مناطق الوسط على مقربة من جبل سنجار وإقليم كردستان.
فالموضوع الكرديّ خطير جداً على تركيا من جهة وإيران من جهة أخرى وسورية من جهة ثالثة.
وأي احتكاك فعلي معهم لا يعني إلا توتير الوضع الكردي مع سورية وإيران وتركيا وفتح أبواب الصراعات المفتوحة برعاية أميركية – فرنسيّة وربما غربية شاملة.
ما هو مهم هنا، هو الدور الروسي الذي لن يستكين لأدوار أميركية فرنسية سعودية، فالروس طامحون الى علاقات لبنانية عميقة على قاعدة تطوير الدور اللبناني ومحاولات سحب القسم الأكبر منه من الصيغة الفرنسية الأميركية ودمجها بالدور الروسي السوري الإيراني، هذا اذا كان ممكناً!
هناك اذاً محاولات روسية لإخراج موسكو من غياهب ادوار أميركية غربية ودفعها لتصبح قادرة على الإمساك بأدوار غربية واسعة من خلال تحالفات مع الأدوار العربية الممكنة وخصوصاً سورية ولبنان والخليج والعراق.
الروس إذاً، يعملون بعنف على تشجيع أدوار عراقيّة تقوم على النفط الغزير من جهة والغاز الممكن من جهة ثانية، ونحو 38 مليون نسمة ينتشرون في كامل أرض السواد، فهناك اهتمام روسي يتركّز على عدم السماح لإيران بالإمساك بالعراق انطلاقاً من حدوده الجنوبية.
هذا وتحاول روسيا منع الأميركيين من الاقتراب من شبه جزيرة القرم وروسيا وتحذّر الأتراك من الاقتراب من البحر الاسود والميت، فهذه لعبة أميركيّة تقوم على الاستفادة من الدور البحريّ التركيّ للتضييق على الروس لوقف اتفاقية مونرو.
العالم اذاً يتجه بسرعة الى صراعات أميركية روسية تركية أوروبية لتطويق الروس انطلاقاً من البحر الأسود وأوروبا الشرقيّة ما يعني تدهور الأوضاع العالمية نحو مزيد من صراعات عسكريّة قد تتجه نحو انفلاتات عسكريّة كبيرة.
فهل يمكن التوصل الى الإمساك بإنتاج النفط انطلاقاً من إيران وحتى السعودية والخليج؟ الأمر صعب جداً لان إيران متمكنة من إنتاجها النفطي وغير النفطي وهي بلد متطوّر ممسك بإنتاج غزير من موارد مختلفة وتتمتع بتحالفات واسعة مع سورية وبلدان أخرى ولم تعد تعبأ بصغار الدول. يكفي فقط أنها مرتبطة بلبنان وسورية وكثير من بلدان الخليج ولديها خزانات كبيرة من النفط والغاز والصناعات والمواد المختلفة. فإيران اليوم تقف الى جانب تركيا لجهة التقدّم الصناعي والعلمي والعسكري وتستطيع أن تدافع عن نفسها بأشكال مختلفة. فلبنان اذاً بوسعه التهام لبنان انطلاقاً من تحالفاته السوريّة والخليجيّة والروسيّة ولديه علاقات عميقة مع السعودية وعمان والكويت والإمارات، وتدفعه جامعة الدول العربية الى أدوار ليست صغيرة.
يتبين بذلك أن لبنان بوسعه عبر جامعة الدول العربية صناعة أدوار ليست قليلة ترتكز على النفط والغاز وكميات كبيرة من الصناعات والمرتكزات الممكنة، يكفي أن بلاد الارز قادرة على الاهتمام بالخليج الصناعيّ من اليمن حتى العراق، في إطار صناعات معقولة تجمع بين بلاد العرب وتجعل منها أكثر من قادرة على قيادة عالم عربي مشرقيّ من أعالي اليمن حتى حدود كردستان كما أن بوسعه تطويق المغرب العربي ضمن موسوعة صناعيّة ونفطيّة هامة تعيد تنشيط الغاز والنفط المغربيين والاستفادة من الصناعات المغربيّة والجزائرية والليبية والتونسية.
هذا هو لبنان القادر على الإمساك بأدوار قائدة في دنيا العرب انطلاقاً من بحار المغرب وجباله العالية وحتى حدود الخليج وبحار سورية والخليج.
فهل بوسع لبنان بناء هذا المخطط؟
الأمر ليس بعيداً لكنه يحتاج الى تأييد أميركي فرنسي مع موافقات من جامعة الدول العربية، وبذلك يستطيع العرب أن ينتجوا شيئاً بسيطاً من إمكاناتهم التي بوسعها أن تجعل من إمكاناتهم النفطية والصناعية جزيرة من المقومات القادرة على اقتحام التاريخ والجغرافيا.