الحدث

“محميات” مصرف لبنان إلى “ألفاريز ومارسال”… قبل نهاية الشهر

كلير شكر-نداء الوطن

نظرياً، هي إشارة ايجابية سجلها مصرف لبنان، أو بالأحرى المجلس المركزي لمصرف لبنان، كما ورد في الخبر الرسمي، على طريق التدقيق الجنائي المالي، بعدما أقرّ المجلس قائمة المستندات المطلوبة من شركة “ألفاريز ومارسال” كي تستكمل مهمتها في التدقيق في حسابات مصرف لبنان. وبالفعل، أعلن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أنّ “وزارة المال استلمت بتاريخ 9/4/2021 بواسطة مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي القائمة المحدثة للمعلومات المطلوبة منه من قبل شركة التدقيق الجنائي Alvarez & Marsal، وقد أرسلت الوزارة بدورها المعلومات إلى الشركة”.

فعلياً، قد يكون الأمر مجرد “ضحك على الدقون”، وخطوة محدثة في مسار كسب الوقت، علّ وعسى! فهذه القائمة لا تعني شيئاً إلّا بكونها اعترافاً من مصرف لبنان بأنه “قصّر” في اجاباته على الأسئلة التي كانت شركة التدقيق توجهت بها إليه في معرض عملها التدقيقي، ولم تلاق منه إلّا الصمت والتذرع بقانون السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف.

بالعودة إلى تلك البدايات، يذكر أنّه في اليوم الذي أعلنت فيه وزارة المال بدء العمل بالتدقيق الجنائي، أي في 9 أيلول 2020، قدّمت الشركة المولجة بأعمال التدقيق Alvarez & Marsal نحو 133 سؤالاً. الإجابات التي حصلت عليها الشركة من مصرف لبنان بعد خمسة أسابيع، لم تصنّف بأنها كافية لإجراء عملية التدقيق.

هذا الأمر كان بمثابة إنذار بأن الشركة لن تقدّم تقريرها الأولي، ولن يكون بإمكانها استكمال عملية التدقيق. فمن أصل هذه الأسئلة الـ133، حصلت الشركة على 58 رفضاً بذريعة أن المعلومات المطلوبة محميّة بموجب قانون النقد والتسليف. كذلك هناك أكثر من 12 سؤالاً كانت الإجابة عليها بـ”غير متوفّر”. لكن الأمر لا يتعلق فقط بنسبة الأسئلة المرفوضة، بل بنوعيتها ومضامينها أيضاً. فالمعلومات المطلوبة من الشركة تعدّ أساسية لأي عملية تدقيق، أي أنه لا يمكن المضي قدماً بالعملية المطلوبة من دونها. لذا، أعلنت شركة “ألفاريز ومارسال” التوقف عن التدقيق لأسباب قسرية نصّ عليها العقد معها.

وفي مراجعة لتلك الأسئلة التي وجهتها الشركة ولم تتلق أي إجابة منه (43% من الأسئلة)، يتبيّن أنّها تمحورت حول الهندسات المالية، التزاماته المالية أو بأصوله والأكلاف التي تكبّدها في سياق حصول هذه الالتزامات أو الأصول، بالعمليات المالية التي نفذها مصرف لبنان خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2020، عمليات المحاسبة المالية والدفع، عمليات النقد وإعادة الشراء، محافظ التوظيفات، شراء العقارات وبيعها وايراداتها، استثمارات مصرف لبنان في الشركات التابعة أو الشقيقة، ودائع المصارف لدى مصرف لبنان…

وعليه، بات السؤال: ماذا بعد القائمة المرسلة إلى شركة التدقيق؟

في الواقع، إنّ هذه القائمة هي رسالة حسن نيّة تفيد بأنّ مصرف لبنان على استعداد لتسليم كل المستندات المطلوبة وللإجابة على كل تساؤلات الشركة، والتي تمنّع سابقاً عن فعلها بحجة الحاجز القانوني. وهي اقرار بأن هذه المطلوبات لم تعد من “المحميات” بعد سقوط السريّة المصرفية، موقتاً، وفق القانون 200 الذي أقرّ في 21 كانون الأول الماضي والقاضي بتعليق العمل بالسرية المصرفية لمدة سنة، حيث أوصى البرلمان بإخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي.

ويفترض وفق المعلومات أن ينكب المصرف المركزي على تجميع هذه الداتا خلال الأسابيع المقبلة، لإرسالها إلى شركة التدقيق قبل أن تقرر الأخيرة ما اذا كانت ستعود لتكمل مهمتها التدقيقية أم تصرّ على رفضها، ربطاً بمضمون المستندات التي سيتم ايفادها (حتى نهاية الشهر)، وما اذا كانت تتيح للشركة استكمال مهمتها أم لا.

بالنتيجة، لا أحد يملك إجابة حاسمة ما اذا كان مصرف لبنان سيفعلها ويكشف المستور من “خزائنه” أم سيبقيها في صندوقه الأسود. ثمة سيناريوان في هذا السياق:

إما المزيد من المماطلة واللعب على حافة الفوضى بحيث تكون التطورات الميدانية أقسى وأسرع من التدقيق فتطيحه كما ستطيح كل شيء، ما يضطر المجتمع الدولي إلى التضحية بهذا المطلب من باب إعادة لملمة الوضع الداخلي على “أيدي” مرتكبي الفوضى والانهيار.

وإما يكون التدقيق بمثابة السلّم التي ستُنزل العهد عن شجرة تصلّبه، فتبدأ عملية التدقيق مقابل تنازل العونيين عن بعض مطالبهم تمهيداً لرؤية الحكومة النور.

وفق أحد المشاركين في المجلس المركزي لمصرف لبنان، فإنّ الاجتماع لم يسجل أي اعتراض من أي من الحاضرين، لا بل كان ثمة اجماع على سقوط الأعذار التي تحول دون التعاون مع شركة التدقيق، كما أنّ هذه المهمة باتت قضية وطنية لا يمكن تجاوزها أو اقناع الرأي العام بغير ذلك، فكان لا بدّ من ابداء حسن النية. وهذا ما حصل. وعليه، لا بدّ من ترقب الأسابيع المقبلة، كون العبرة ستبقى في التنفيذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى