كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: بلغت الأزمة السياسية اللبنانية مداها، فبعد الخطاب العالي النبرة للرئيس ميشال عون يوم أمس الأول، حول التدقيق الجنائي وما تضمنه من إشارات وإتهامات ورسائل من العيار الثقيل، جاء رد الرئيس سعد الحريري أمس بتأكيده ان التدقيق الجنائي يحتاج الى حكومة قام رئيس الجمهورية بتغييبها رغم أهميتها وحاجة البلد إليها، ليصب الزيت على نار الخلافات وليرفع مزيدا من المتاريس على طريق بيت الوسط ـ قصر بعبدا.
هذا التدهور في العلاقة بين عون والحريري يجعل “المساكنة” الحكومية بينهما شبه مستحيلة، خصوصا أن الأول بات يجاهر برفض فكرة التعاون مع الحريري الذي بدوره يتمسك بورقة التكليف في جيبه حتى لو بقي العهد من دون حكومة حتى نهاية ولاية عون، وهذا الانطباع خرج به وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد لقائه مع عون وأبلغه الى البطريرك بشارة الراعي، الأمر الذي يصعّب من مهمة المصريين ومعهم الفرنسيين الذين لا يملكون الأدوات اللازمة للضغط من أجل أن تبصر الحكومة النور، بما ينذر بالأسوأ على الصعد الاجتماعية والاقتصادية، ويهدد البلاد بتوترات أمنية، قد تقود المجتمع اللبناني برمته الى ما لا يُحمد عقباه.
يبدو أن لبنان بات يتأرجح بين منطقين: المنطق الأول يتبناه رئيس الجمهورية ويقضي بضرورة الانطلاق سريعا بالتدقيق الجنائي الذي يشكل مفتاح الاصلاح الحقيقي، وذلك لتحقيق هدفين لجهة الضغط على الخصوم وفي مقدمتهم الرئيس نبيه بري ومحاولة إستهدافه بالمباشر وتجاهل الحريري كرئيس مكلف من خلال دعوة حكومة تصريف الأعمال الى إجتماع إستثنائي للاشراف على عملية التدقيق، ومن ثم إحياء فكرة سياسية جديدة يمكن لفريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر التحلق حولها ومواجهة كل الاتهامات بها، خصوصا بعد الاخفاقات المتلاحقة للعهد والتي جعلت عون وباسيل على حد سواء يشعران بالعزلة ويواجهان أزمة جمهور، حيث تشير المعلومات الى أن “التيار البرتقالي” كان يعد لمسيرات سيارة حاشدة بعد كلمة عون تأييدا لمواقفه لكن المشاركة لم تكن على قدر الطموحات.
أما المنطق الثاني فيتبناه الرئيس الحريري ويربط التدقيق الجنائي بتشكيل حكومة جديدة، ويرى في الموقف الرئاسي “ذرا للرماد في العيون” خصوصا أن تسهيل عملية التأليف تضع التدقيق الجنائي على السكة بشكل تلقائي.
هذا المنطقان من المفترض أن يقودا الى إصطفافات جديدة ستضع عون وفريقه في مواجهة مع تحالف لا يزال غير معلن ويضم الرئيسين بري والحريري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية، وهذا ما يخشاه جبران باسيل الذي عبر عن هاجس حصول الرئيس الحريري على الأكثرية المطلقة في الحكومة، ما يجعله يتمسك بالثلث المعطل ليضمن بقاءه ضمن المعادلة الحكومية أولا والسياسية ثانيا.
هذه الاصطفافات بدأت تطرح كثيرا من التساؤلات حول موقف حزب الله منها؟، وهل سيتخلى عن التحالف مع الرئيس بري إلتزاما بتفاهم مار مخايل مع الرئيس عون؟أم أنه سيضحي بعون لحماية الثنائي الشيعي؟وهل سيلجأ الى تبادل الأدوار؟أم أنه سيستمر في موقفه الوسطي التوفيقي الذي يبدو أنه لم يعد يجدي نفعا؟ أم أنه قد يعلن التخلي عن دعم ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة فيدخل في مواجهة مع بري كانت ظهرت بوادرها سابقا؟..
اللافت في الأمر هو الغضب المسيطر على الرئيس عون جراء الحصار الذي يشعر به، ما دفعه في كلمته المتلفزة الى القول أكثر من مرة: “أنا الجنرال ميشال عون”، ما يعني تخليه عن رئاسة الجمهورية وعن صفة “بيّ الكل” وعودته الى الشارع كرئيس لتكتل التغيير والاصلاح أو كرئيس للتيار الوطني الحر.
كما يشير ذلك الى أن عون حسم أمره تجاه رفض تشكيل حكومة برئاسة الحريري مهما تكن النتائج، وقد ترجم هذا الحسم بتجاهل الرئيس المكلف في خطابه والطلب من الرئيس حسان دياب عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، وهو أمر مخالف للدستور وسبق لدياب أن رفضه إلا في حال الحصول على “فتوى” من مجلس النواب من الطبيعي أن لا يسمح الرئيس بري بصدورها.
تشير المعلومات المتوفرة الى أن الذي أشعل كل هذا الغضب ودفع الرئيس عون الى توجيه “خطابا جنراليا” بحسب المناصرين البرتقاليين، هو تفشيل زيارة جبران باسيل الى باريس للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون والمسؤولين الفرنسيين، خصوصا أن هذه الزيارة كانت بمثابة الأوكسجين الحقيقي لباسيل لكسر العقوبات الأميركية عليه وتحقيق إنتصار معنوي يستطيع من خلاله إستعادة نبض شارعه، لكن رياح بري والحريري جاءت بعكس ما إشتهت السفن الباسيلية.
كل المعطيات تشير الى أن المرحلة المقبلة ستكون حامية الوطيس، وأن الأمور متجهة نحو مزيد من التصعيد، خصوصا بعدما أوحى ميشال عون باستعداده لارتداء البدلة العسكرية وعودته الى رتبة جنرال!.
المصدر: غسان ريفي – سفير الشمال