عمّار نعمة-اللواء
بعد أيام قليلة تحل ذكرى الحرب الأهلية في لبنان. يتذكر اللبنانيون ذلك الحدث بكثير من الحسرة. فالوضع الاقتصادي والاجتماعي لم يكن حتى في احلك ظروف الحرب في الحضيض كما هو اليوم رغم خطوط التماس والمعارك والدماء.
ولعله منذ العام 1975 حتى اليوم، تبقى العوامل الداخلية للانقسام الاهلي متداخلة مع تلك الاقليمية والدولية. وفي هذه اللحظة يبدو هذا التشابك صارخا في دلالاته من دون اهمال التوترات الداخلية التي لا تسهل اي حل من الخارج على اساس المبادرة الفرنسية للحل.
على ان الظروف الدولية والاقليمية هي اكثر مرونة الآن عنها في السابق، تحديدا في عهد الرئيس الاميركي الجمهوري دونالد ترامب. ذلك ان خليفته الديمقراطي جو بايدن يريد صياغة الحلول في المنطقة، لكنه لا يبدو مستعجلا للتسوية المأمولة، وهو حال اللاعب الايراني المؤثر في المعادلة اللبنانية.
وقد شعّ بصيص أمل مع الانفتاح الاميركي الايراني الذي تمخض بوساطة اوروبية، عن خرق للتوتر عبر اعادة التفاوض على الاتفاق النووي مع طهران الذي كانت الادارة الاميركية الماضية قد خرجت منه.
لكن مطلعين على اجواء المساعي الحكومية الحالية لا يفرطون في التفاؤل في مدى انعكاس التلاقي الاميركي الايراني في فيينا أمس الاول، على لبنان واعتبار ان عملية التشكيل الحكومية قد أنجزت. ويشير هؤلاء الى ان البلد ليس الركن الأهم بالنسبة الى سياسة واشنطن في المنطقة في هذه اللحظة. وتريد الادارة الديمقراطية، كما كان دأبها في السابق، التوصل الى رزمة حلول مع طهران تلحظ القضايا التي تهم الغرب وواشنطن خاصة، في المنطقة والخليج.
فالموضوع مع ايران لا يتعلق فقط بـ«حزب الله»، ذلك ان الدور الايراني المتوسع في العراق وسوريا وخاصة في اليمن وعلاقة ايران مع دول الخليج، لا يمكن فصلها عن مجمل الحل.
في المقابل، قاومت طهران كل محاولات الولايات المتحدة لتوسيع قضايا الحل، ونجحت سابقا في فرض تجزئة هذا الحل على الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما الذي كان بايدن يتولى نيابته في الرئاسة حينها.
ومع التصلب الايراني في مطالبة واشنطن بالعودة الى الاتفاق النووي في شكل كامل في مقابل العودة الايرانية الى ما قبل زيادة التخصيب النووي الذي قامت به طهران ردا على خروج ترامب من الاتفاق النووي، تظهر مرونة اميركية مستمرة، لكنها لا تزال دون مطلب ايراني حاسم بعودة واضحة الى الاتفاق.
كما ان لدى الادارة الاميركية ما يهمها في علاقاتها المشرقية مثلما هو الحال على صعيد التوتر المتصاعد مع روسيا والصين، ما يدفع اصحاب هذه الرؤية الى الجزم بأن موعد الافراج عن الحل اللبناني لا يزال غير ناضج.
وبذلك تذهب وجهة النظر هذه الى اعتبار ان تلك الادارة هي المتحكمة فعلا بالحل اللبناني، والدافعة الى عدم السماح لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالتشكيل. واذا كان الدور الفرنسي هاما على هذا الصعيد كما الدور الخليجي والعربي، فإن مفتاح الحل يبقى في يد الرئيس الاميركي.
لكن رغم كل ذلك لا يمكن تجاهل خروقات حصلت فعلا في الملف الحكومي بضوء أخضر من اللاعبين الخارجيين. وليس ادل على ذلك اكثر من تجاوز بعض القضايا الشائكة على هذا الصعيد مثل مسألة التخلي عن الثلث المعطل في الحكومة وغض النظر الغربي عن حكومة يتمثل «حزب الله» فيها ولو مداراة.
ومن تلك الانفراجات يأتي الموقف الخليجي والعربي، وخصوصا السعودية التي تدعم تشكيل الحكومة في اطار الحرص على الاستقرار اللبناني، وانتظار التشكيلة الحكومية وبرنامجها بعد قيامها للحكم عليها. والرياض هنا تقارب وجهتها اللبنانية عبر ثوابتها وأهمها حماية اتفاق الطائف الذي قام على اراضيها ليضع الختم على الحرب الأهلية والذي يرى كثيرون انه بات مهددا في هذه الاثناء.
لا لقاء بين الحريري وباسيل
وعلى طريق الحل المأمول سيبرز شد حبال مرير بين اللاعبين الظاهرين اكثر من غيرهم في الملف الحكومة. العهد بركنيه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من ناحية، والحريري من ناحية مقابلة. وسيتصاعد الكباش بين الجانبين مع تعزز الوساطات على خط المبادرة الاخيرة متعددة الاطراف التي خرج بها رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» كما يلفت متابعون لمواقف الحزب.
ولا يزال الحريري يرفض اي لقاء ثنائي يجمعه مع باسيل برعاية فرنسية في باريس، وهو ما يعلم ان الاخير سوف يستثمره لتحقيق مكتسبات لا يرى الحريري انه من الضعف بمكان لكي يقدمها. ويتلقى الزعيم «المستقبلي» كل يوم دعما خارجيا كان آخره مصرياً عبر زيارة وزير الخارجية سامح شكري.
يعلم العهد تماما دلالات ما يحدث، والحال ان تجاهل شكري لباسيل وعدم لقائه وزير الخارجية شربل وهبة منفرداً وعدم توجهه نحو رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ترك انزعاجا في بعبدا، حسب مُطلعين، التي تريد على ما يبدو التقليل من خسارة حاصلة فعلا لها في عملية التشكيل، وكان لبيانها حول لقاء الضيف المصري مع عون، دلالات عند تلميحها الى عدم استثناء باسيل من الحل.
وفي الأثناء، يبقى الضوء الأخضر لولادة الحكومة في هذه اللحظات.. غير مُنجز والتسوية ليست ناضجة.