دوللي بشعلاني-الديار
الحريري ويتجاوب مع حكومة الـ 8-8-8 شرط التنسيق الجدّي والفاعل معه
تحرّكت مصر بالتنسيق مع فرنسا في اتجاه لبنان في ظلّ استمرار الأزمة السياسية ولأنّ الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي فيه لم يعد يحتمل، وذلك من خلال الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري امس، ومن خلال زيارة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام شكري اليوم الخميس، وذلك بهدف حثّ المسؤولين اللبنانيين على الإسراع في تشكيل الحكومة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة وتحقيق الإستقرار المهمّ للبنان وللمنطقة ككلّ. فهل هذا الزخم في حركة الإتصالات من قبل مصر، فضلاً عن تحرّك فرنسا والفاتيكان في الإتجاه نفسه، سيؤدّي الى ولادة الحكومة المنتظرة في الشهر الحالي؟
مصادر سياسية عليمة أكّدت أنّ الأمور لم تعد مقفلة تماماً، على ما كانت عليه خلال الأشهر السابقة، غير أنّه لا يُمكن بالتالي القول انّها باتت مفتوحة على مصراعيها وانّ الحكومة ستولد غداً أو في غضون أسبوعين، رغم كلّ الجهود المتواصلة والمساعي الداخلية إن من قبل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، أو البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، أو الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، أو من قبل مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم. فالجميع يعمل في الداخل من أجل التقريب في وجهات النظر رغم الجوّ المعقّد والعلاقة المتدهورة بين قصر بعبدا وبيت الوسط. فضلاً عن الإتصالات الخارجية إن من قبل مصر التي تدخّلت أخيراً بعد أن زارها الرئيس المكلّف سعد الحريري منذ فترة وتمنّى عليها القيام بمساعٍ ما للتقريب في وجهات النظر بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أو من قبل فرنسا والفاتيكان، إذ لم يعد مقبولاً إبقاء لبنان من دون حكومة في ظلّ ما وصل اليه الوضع من انهيار إقتصادي ومالي ومعيشي غير مسبوق ينعكس سلباً على أكثرية اللبنانيين وعلى جميع المقيمين على أراضيه من يد عاملة عربية وأجنبية ولاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين.
ويبدو، على ما أفادت المعلومات، أنّ الحريري لن يبقى متمسّكاً بحكومة الـ 18 وزيراً من الإختصاصيين المستقلّين، وقد تجاوب مع مبادرة الرئيس برّي القائمة على «تلات تمانات»، كما مع اقتراح السيّد نصرالله حول توسيع الحكومة الى 24 وزيراً، بدليل أنّه ينتظر أن يتمّ بحث هذه الصيغة معه بطريقة جديّة. ولهذا تدور الإتصالات حالياً حول إمكانية توسيع الحكومة لتصل الى 24 وزيراً على أساس 8-8-8 لا يكون فيها أي ثلث معطّل لأي طرف سياسي… هذا الثلث الضامن أو المعطّل الذي يخشى الحريري أن يقف عائقاً أمام عمل حكومته الثالثة في عهد عون، على ما يريد. علماً بأنّ تحالف أي طرفين أو ثلاثة فيها يؤمّن الثلث المعطّل لهذا الفريق دون ذاك.
وفي هذا السياق، تؤكّد أوساط «تيّار المستقبل» أنّ زيارات الحريري الى دول الخارج هدفت الى حشد الدعم الخارجي للبنان وليس للحريري نفسه، وقد بدأت تُترجم ببعض الأمور الحياتية البسيطة، إن لناحية تأمين اللقاحات ضدّ «كورونا» أو لجهة إقامة المستشفى الميداني في الواجهة البحرية ل»سوليدير» الذي يستوعب 220 سريراً لمرضى «كورونا» والذي قدّمته دولة الإمارات. ولفتت الاوساط الى أنّ الحريري ينتظر اليوم التنسيق الجدّي والفاعل معه من قبل الداخل قبل الخارج، مشيرة الى أنّه فور تشكيل الحكومة ستدور عجلة مؤتمر «سيدر» ومساعداته وقروضه، وستُستكمل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي… فضلاً عن أنّ البرنامج الإصلاحي للحكومة المرتقبة والذي يشمل جميع القطاعات من قطاع الكهرباء، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومصرف لبنان، وتثبيت سعر صرف الدولار الأميركي، الى هيكلة القطاع العام والبنى التحتية وما الى ذلك، بدون استثناء هو جاهز لدى الحريري وينتظر تشكيل «حكومة المهمّة» الفاعلة ليُصار الى تطبيقه فوراً بما يخدم المصلحة الوطنية والشعب اللبناني، ويؤدّي الى تحسين الوضع الإقتصادي في البلاد. وشدّدت الاوساط على أنّ الحريري يقوم بكلّ ما في وسعه لينجح في مهمّته في الحكومة الجديدة، وإذا لم ي.يُفلح بها يُمكن عندئذ إقالته.
في المقابل، ذكرت المصادر السياسية نفسها بأنّ لقاءات شكري التي شملت عون وقد نقل إليه رسالة من نظيره المصري عبد الفتّاح السيسي، برّي، الحريري، الراعي، رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط، رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميّل، رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية، ورئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع من خلال الإتصال به كون جعجع لا يستطيع أن يلتقيه بسبب إصابته بوباء «كورونا»، وهدفت الى حثّ المسؤولين اللبنانيين على الإسراع في تشكيل الحكومة، تبقى ناقصة لأنّها استثنت طرفين أساسيين هما النائب باسيل وحزب الله من برنامجها، رغم تأكيد شكري على أنّ بلاده مستعدّة لبذل الجهود والتواصل مع كلّ الجهات، ولهذا قد لا يؤتى ثمارها.
واوضحت الاوساط، انّ الدول الداعمة للبنان من عربية وإقليمية ودولية قد تشترط على الحكومة المنتظرة ضرورة إجراء الإستحقاقات في مواعيدها الدستورية، ولا سيما منها الإنتخابات النيابية التي يُفترض أن تحصل في أيّار من العام المقبل (2022)، وإلاّ فلن تقدّم لها المساعدات والقروض الدولية. وتعوّل هذه الدول على هذه الإنتخابات كونها المدخل الصحيح لإعادة تشكيل السلطة من مصدرها الأساسي الذي هو «الشعب مصدر السلطات»، على ما ينصّ عليه الدستور اللبناني. فضلاً عن أنّ المجلس النيابي الجديد المنبثق منها هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل.
ولا تتوقّع المصادر نفسها أن تُبصر الحكومة النور قبل الزيارة المنتظرة للرئيس المكلّف الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس في 22 نيسان الجاري، كون التنسيق الفرنسي- المصري لم يتمكّن من حلّ عقدة «الفيتو» الذي تضعه السعودية، تنفيذاً لرغبة الولايات المتحدة الأميركية على مشاركة حزب الله في الحكومة الجديدة. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يُفلح في إقناع السعوديين بضرورة نزع هذا «الفيتو» عن الحزب، كما أنّ مصر تؤيّد السعودية والإمارات ودول الخليج في موقفها من الحزب كحزب شيعي يُمثّل النهج الإيراني في لبنان والمنطقة، من وجهة نظرها. علماً بأنّ جامعة الدول العربية سبق وان اتخذت قراراً مماثلاً لموقف الولايات المتحدة، إذ اعتبرت حزب الله منظمة إرهابية، فيما تحفّظ لبنان عنه، كونه يمسّ بالخصوصية اللبنانية.
من هنا، على الدول التي تقوم بالتحرّكات في اتجاه لبنان، على ما عقّبت الاوساط، أن تعمل ليس على التقريب في وجهات النظر بين عون والحريري فقط، بل أن تفكّ عقدة «الفيتو» على حزب الله لأنّه سيُشارك حُكماً في الحكومة الجديدة كونه يُمثّل شريحة واسعة من الشعب في المجلس النيابي، ولا يُمكن إلغاء دوره، إلاّ إذا قرّر عدم المشاركة في الحكومة، وهو لن يتخذ مثل هذا القرار. وترى أنّه في حال عدم حصول المفاوضات بين السعودية وإيران تزامناً مع تلك التي انطلقت بين الولايات المتحدة وإيران والدول الأوروبية، فإنّ الفرج لن يحصل في لبنان حتى وإن تشكّلت الحكومة بفعل الضغوطات الخارجية من الفاتيكان وفرنسا والدول العربية وسواها…