راكيل عتيِّق-الجمهورية
يبدو أنّ مساعي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى تكوين جبهة مع الحلفاء بهدف الضغط لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، عبر خطوات عدة، ومنها الاستقالة من مجلس النواب، ليست إلّا نداء لمن لا يسمع. فرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري متمسّك بتأليف الحكومة حيث يصبّ تركيزه الكامل ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط رافض الدخول في أي جبهة، بل ذهب للدعوة الى تسوية على صعيد التأليف. كذلك يتمسّك جعجع بقانون الانتخاب الحالي لإجراء الانتخابات على أساسه، وهذا القانون يرفضه كلّ من الحريري وجنبلاط. وبالتوازي، يضع رئيس مجلس النواب نبيه بري «نصب عينيه» تغيير هذا القانون قبل حلول استحقاق الانتخابات النيابية عام 2022.
هذا التصلّب «القواتي» تجاه عدم البحث في قانون انتخاب جديد منذ الآن، ومع أي من الأفرقاء، سواء الحلفاء أو الخصوم، قد يؤدّي بالنسبة الى البعض الى فرض قانون انتخاب مغاير تماماً، خصوصاً إذا وصل «التيار الوطني الحر» الى مرحلة اضطرّ فيها الى المساومة على هذا القانون ما يُسقط المبدأ الميثاقي عنه، أو أنّ عدم الاتفاق على قانون قد يُستغلّ لتطيير الانتخابات والتمديد للمجلس الحالي.
هذا المنطق ترفضه «القوات»، بحسب ما توضح مصادرها، إنطلاقاً من المبادئ الآتية:
ـ أولاً، هذا النقاش لا يجب أن ندخل فيه عشية كلّ انتخابات نيابية. فلقانون الانتخاب وظيفة تمثيلية، ويجب أن يعكس تمثيلاً صحيحاً لكلّ مكونات المجتمع، والدستور اللبناني واضح لجهة التمثيل لكلّ المجموعات اللبنانية بالتساوي ولبنان بلد تعدّدي، ويُفترض أن يعكس القانون هذه التعددية.
ـ ثانياً، القوانين كلّها منذ عام 1992 كانت مجحفة وغير تمثيلية، ومنافية للدستور والميثاق الوطني، والقانون الأخير هو الذي يعكس أفضل تمثيل مقارنةً مع القوانين المتعاقبة.
ـ ثالثاً، لا يجوز مع كلّ استحقاق انتخابي تغيير قانون الانتخاب بل يجب أن يبقى ثابتاً لكي يعتاده الناخب والفريق السياسي الذي سيترشح على أساسه. وهذه المسألة يجب أن تكون من الثوابت.
ـ رابعاً، إنّ قانون الانتخاب من المواضيع الخلافية في لبنان، واستلزم الوصول الى هذا القانون 10 سنوات، ولا يجوز الآن فتح الباب أمام نقاش لن ينتهي قبل 10 سنوات إضافية، وبالتالي نكون كمن يريد عن سابق تصوُّر وتصميم ألّا تجري انتخابات بهدف التمديد.
ـ خامساً، نجح قانون الانتخاب هذا في أن يمثّل المجموعات السياسية أفضل تمثيل، وليس هناك أي مجموعة سياسية في لبنان لم يعكس هذا القانون أفضل تمثيل لها، كذلك الأفراد الذين لديهم حيثية سياسية في استطاعتهم أيضاً أن يتمثلوا في الندوة النيابية. وبالتالي، هذا القانون يمثّل معظم شرائح المجتمع شرط أن يكون لهذه الشرائح حيثيات تمثيلية وأن لا يكون انتخابها خاضعاً للبوسطات والمحادل الانتخابية التي كانت سائدة منذ عام 1992».
إنطلاقاً من ذلك، إنّ الأولوية، بالنسبة الى «القوات»، بحسب ما تشرح مصادرها، «ليست فتح مزيد من النقاشات أو المواضيع الخلافية التي لا توصل الى أي نتيجة، بل الذهاب فوراً الى انتخابات نيابية مبكرة بغية إعادة إنتاج السلطة». وتقول: «لا يجوز التفكير من منطلق أنّ الهدف من قانون الانتخاب أن يربح هذا الفريق أو ذاك، فهذا التفكير منافٍ للدستور، ولا يجب أن يكون انطلاق أي قانون انتخابي أن تربح قوى 14 آذار أو 8 آذار، بل أن يعكس صحة التمثيل. وبالتالي، إذا كان مشروع 8 آذار في لبنان يحظى بصحة تمثيل شعبية، فهذا خيار اللبنانيين وليس القوى السياسية. لذلك إنّ قوانين الانتخاب لا يجب أن تكون خاضعة لموازين قوى سياسية بل للدستور والتمثيل السياسي للمجموعات كافة».
وإذ تشدّد المصادر نفسها على أنه «لا يوجد أي وقت للتلهي بقوانين الانتخاب ولن نقبل بفتح أي نقاش بهذا الموضوع»، تؤكد أنّ تمسُّك «القوات» بقانون الانتخاب الحالي «ليس خطأ استراتيجياً بل الخطأ الكبير يكون في فتح نقاشات خارج اللحظة السياسية الي هي لحظة انهيارية كارثية مالية وشعبية غير مسبوقة في تاريخ لبنان، ويجب وضع الجهود كلّها وتركيزها في سبيل إخراج لبنان من هذه الورطة، ولإخراجه منها يجب إعادة إنتاج السلطة في لبنان عبر انتخابات نيابية، التي تضع لبنان على السكة الصحيحة».
وتؤكد المصادر «عدم تخلّي «القوات» عن تمسُّكها بالقانون الحالي وبضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وعدم تخلّيها عن موقفها برفض فتح أي نقاش حول قانون الانتخاب، إنطلاقاً من تجربة عشناها، فإقرار القانون الحالي تطلّب 10 سنوات من الانقسامات والخلافات، كذلك ان أحداً لم يضرب أحد على يده ليوافق على هذا القانون. فضلاً عن أنّ التجربة أظهرت أنّ هذا القانون هو الأكثر تمثيلاً، وان مشاريع القوانين المطروحة ليست جديدة وسبق أن دُرست وتمّت غربلتها». وترى أنّ «المطلوب من القوى السياسية الرافضة هذا القانون أن تكون واضحة، فهل تريد أن تعود الى قانون المحادل والبوسطات؟ أو هل تريد تغطية وضعيتها الشعبية من خلال العودة الى قوانين انتخابية فضفاضة لا تظهر من خلال الصوت التفضيلي حجمها الحقيقي والفعلي، وتريد توسيع كتلها على حساب التمثيل الفعلي؟».
وتعتبر المصادر القواتية أنّ «أي محاولة للبحث في قانون انتخاب جديد تعني أنّ من يفتح باب هذا النقاش لا يريد انتخابات، فلا يمكن الوصول الى قانون انتخاب في ظرف دقيق، فضلاً عن أنه لا يمكن تكريس الاستقرار السياسي وتثبيته مع تغيير قانون الانتخاب عند كلّ دورة انتخابية وكلّ منتصر أو مُمسك بالسلطة يخيّط قانوناً على قياسه، وهذا غير مسموح، بل يجب الذهاب الى الانتخابات وفق القانون الحالي وبعدها الذهاب الى تأليف حكومة وفق ما تفرزه هذه الانتخابات».
وتجزم المصادر في أنّ «أحداً لن يستطيع التمديد، تحت أي عنوان، انقسامي أو ابتزازي، أو عنوان قانون الانتخاب، ونحن مع انتخابات مبكرة أولاً وسنُسقط السماء على رؤوس من يريد أن يمدّد وسنكون رأس حربة هذه المواجهة على المستوى الشعبي وإرادة الناس وعلى مستوى القوى السياسية، كذلك على مستوى عواصم القرار الخارجية التي عليها أن تحذّر الحاكم، وهناك استنفار دولي الآن لتأليف حكومة اختصاصيين ويجب أن يكون هناك استنفار دولي لمنع ضرب إرادة اللبنانيين بالانتخاب».
وعلى صعيد العلاقة مع الحريري، خصوصاً أنّ الأخير اتصل بجعحع بعد إعلانه إصابته بفيروس «كورونا»، تشير مصادر «القوات» الى أنّ الإتصال اقتصر على اطمئنان الحريري الى صحة جعجع، معتبرةً أنّه «دليل على أنّ الاتصالات مفتوحة بين الطرفين، لكن لكلّ طرف أولويته وهذا أمر طبيعي، وأولوية الحريري تأليف حكومة فيما أولوية جعجع إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكن ما بين الأولويتين لا يفسد في الود قضية».