إيران تحيي داعش في لبنان (2): هل “خوّف” الوفد الإيراني البطريرك؟

 

أحمد الأيوبي -أساس ميديا

كانت مهمّة إيرانية صعبة زيارة وفد “المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب”، برئاسة الدكتور حميد شهرياري، إلى لبنان. فهي لم تستطِع زحزحة البطريرك بشارة الراعي عن مواقفه السيادية، وفشلت في استدراج مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان للمشاركة في أعمال المجمع.

الخطير أنّ النتائج المخيّبة للإيرانيّين تدفع إلى الاعتقاد بأنّنا سنشهد موجة تصعيد سياسية وأمنية، لا تنحصر في لبنان، بل تمتدّ لتشمل الساحات التي تريد إيران تثبيت وجودها فيها وإنهاء الصراع الإقليمي عليها لصالحها.

تصريحات الوفد الإيراني على لسان شهرياري حاولت أن تدغدغ مشاعر المسيحيّين عندما قال إنّ “لبنان وطن نهائي لكلّ أبنائه الشرفاء، والتجربة التاريخية دلّت على أنّ الشعب اللبناني عندما يتحلّى بالوحدة يمكنه دحر العدوان عليه، وإيران تتمنّى أن تحفظ سيادة لبنان واستقلاله”.

لكنّ شهرياري تجاهل كون اعتراض البطريرك الراعي إنّما هو على الاحتلال الإيراني للقرار السياسي اللبناني، وكون هذا النوع من التصريحات لا يقدِّم ولا يؤخِّر في تغيير قناعات سيّد بكركي، الذي لا يمكن أن تنطلي عليه “تقيّة” بات يعرف كيف يفكِّك شيفرتها بسهولة، بعد كلّ التجارب المريرة التي عاناها لبنان من السياسات الإيرانية.

كان استفزازاً مسبقاً عدمُ اعتذار شهرياري عن إساءات الإعلام الإيراني إلى البطريرك، خصوصاً المقالة الشهيرة في موقع قناة “العالم”، التي اتهمته بالعمالة لإسرائيل. وهي إساءة تجاوزها الزوّار على طريقة التجاهل وفرض الأمر الواقع. وهذا دأْبُ الإيرانيّين دائماً. وممّا زاد الطين بِلّةً أنّ الوفد استحضر في محادثاته مع البطريرك الراعي “الخطر التكفيريّ (السنّيّ)”، واستعرض مسيرة ميليشيات إيران في العراق وسوريا في مكافحة “داعش”، و”حمايتها للمسيحيّين”، وصولاً إلى الإيحاء للبطريرك، بعد كلّ هذا الاستعراض، أنّه آمنٌ في كرسيّه البطريركيّ بفضل تضحيات “حزب الله” وحربه على التكفيريّين، وأنّ حملةً داعشية ستجتاح المنطقة قريباً، وأنّ على المسيحيّين أن يكونوا في صفّ إيران وميليشياتها وسلاحها غير الشرعي.

وجاء التسجيل المصوّر للبطريرك الراعي، الذي تداولته وسائل الإعلام الخميس في الأول من نيسان الحالي، لينسف محاولات طهران استيعاب حركة سيّد بكركي ووقف امتداداتها الداخلية والدولية، وقد باتت حاضرة في مختلف المحافل، ولم تعد العواصم المعنيّة تستطيع تجاوزها، وخصوصاً مع تجديد مواقف البابا فرنسيس المتعلّقة بلبنان، وآخرها عندما ذكر لبنان في “قدّاس القيامة”، داعياً المجتمع الدولي إلى دعمه ليكون أرض تعايش وتعدّدية.

سأل الراعي “حزب الله”: “لماذا أنت ضد الحياد.. تريد إجباري على الذهاب إلى حرب أنت تقرّرها من دون أن تأخذ رأيي.. هل أخذت موافقتي على دخولك سوريا والعراق واليمن؟ هل تطلب رأي الحكومة حين تشهر الحرب وتعلن السلام مع إسرائيل؟ يقول الدستور إن إعلان الحرب والسلام يعود إلى قرار يتّخذه ثلثا أعضاء الحكومة… أنت لا تعمل لصالح شعبك”.

هكذا حسم البطريرك الموقف، وربما كان هذا هو سبب توقيت النشر المتعمّد للمقطع المصوّر بعد انتهاء زيارة الوفد الإيراني. ولو شاءت بكركي التملّص منه لأصدرت بياناً توضيحيّاً أو تفسيراً مغايراً لِما فهمه الرأي العام في هذا التوقيت الحسّاس من نشر مقطع مضى عليه زمنٌ. إنّ عدم الإيضاح هو ردّ شاءته بكركي، وهو إفشال للضغوط التي حملها الوفد، لأنّ مطلب الإيرانيّين واضح: تراجع البطريرك عن مبادرته، ولا سيّما طرح الحياد والمؤتمر الدولي.

وشهد الإعلام ضخّاً منظّماً للشائعات مصدرها “مطبخ الممانعة”، وتفيد أنّ لبنان سيشهد حرباً جديدة يشنّها تنظيم “داعش”، من دون أن يكلِّف المروِّجون لهذه التسريبات أنفسهم عناء توضيح طبيعة المصادر التي يستندون إليها. وهي تذكر على سبيل المثال أنّ إرهابيين عرباً من شمال إفريقيا وصلوا إلى لبنان، وأنّ التهديدات تطول المناطق المسيحية ودور العبادة، وتهدِّد الأمن الأوروبي، في مسعى واضح لابتزاز الأوروبيّين، وتحذيرهم من الضغط على إيران، تحت طائلة انفلات وحش الإرهاب.

تكمن خطورة هذه التسريبات في كونها تنتشر إثر فشل مهمّة الوفد الإيراني في احتواء حركة البطريرك الراعي، وقد يفتح هذا الأمر الباب أمام تصعيد كبير لن يقتصر على لبنان فحسب، بل قد تتجدّد حملات الإرهاب على المسيحيين في العراق، وخصوصاً بعد زيارة البابا فرنسيس الناجحة، وتستهدف أماكن الزيارة التي قصدها، نظراً إلى رمزيّتها وكون الفاتيكان مرجعية بكركي. خاصة بعد أن هدّد موقع قناة العالم نفسه العراق بتطوّرات خطيرة جولة رئيس الوزراء العراقي العربية الناجحة على السعودية والإمارات وقبلهما مصر.

ويُخشى أيضاً من استهداف جديد لبعض المعاقل المسيحية في سوريا، لإعادة إنتاج أدوات المرحلة السابقة وخطابها، وصولاً إلى لبنان، واستهداف المناطق والرموز المسيحية، لدفع البطريرك الراعي إلى التراجع، ثم إلى التسليم بالدور الإيراني والاستغاثة به لوقف “زحف” “داعش” الذي يجري الإعداد له عبر عمليات إنزال إعلامية وسياسية متواصلة.

أسئلة عديدة تفرض نفسها أمام إصرار الممانعة على تسريب “معلومات” عن دخول “الدواعش” إلى لبنان، أهمها:

ــ من هو الطرف المتحكِّم بالحدود من إيران فالعراق، ثم سوريا، وصولاً إلى لبنان؟ أليست إيران والنظام السوري؟ فكيف يمكن أن يعبر “الدواعش” وميليشيات إيران تسيطر فعلياً على هذه الحدود، وقد حوّلتها إلى معابر للسلاح والسلع والبشر؟

ــ إذا كان البعض على علم بوجود “دواعش” في لبنان، ويعلم جنسيّاتهم وأماكن وجودهم، فلماذا لا تتحرّك الأجهزة الأمنية، التي يسرِّب بعضها هذه المعلومات، للقبض عليهم، قبل أن يكبر خطرهم ويستفحل شرُّهم؟

ليس من وقاحة أكبر من التهويل بهجوم “داعش” علينا، بينما الحدود ومعابرها وأجهزة الأمن تحت قبضة محور الممانعة. المرحلة المقبلة ستشهد “إفلات” الدواعش على المسيحيين لإرهابهم وعلى السنّة لإدانتهم، لكنّ المسيحيين أشجع من أن يخافوا والمسلمين أصلب من أن يدانوا.

Exit mobile version