خلال الأسابيع الأولى من تولي بايدن للرئاسة أظهرت ادارته مواقفاً عنيدة حيال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.. الإدارة الديمقراطية، التي أعلنت أحد شعاراتها العودة إلى الاتفاق النووي، تتحدث الآن وبعد دخول البيت الأبيض عن شروط صعبة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران, وأفاد موقع “أكسيوس” الأمريكي حينها بأن إدارة بايدن كانت تخطط لتشكيل مجموعة ماهرة وعنيدة لإجراء مفاوضات جديدة مع إيران، وأن الفريق لا يعتزم العودة إلى الاتفاق النووي بسهولة, وزعم بايدن لاحقًا في مقابلة مع تلفزيون سي بي إس: أن “الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات لاستئناف المفاوضات”!.
في المقابل, أقر مجلس الشورى الإسلامي الإيراني قانوناً يطالب بزيادة مستوى ونسبة تخصيب اليورانيوم، وباتت الحكومة ملزمةً بتنفيذه إذ حدّد القانون موعداً نهائياً لرفع العقوبات بحلول منتصف مارس الماضي، وبالنظر إلى عدم إلغاء العقوبات الأمريكية، فإن زيادة مستوى التخصيب في إيران أصبحت على جدول الأعمال.
وشهدنا تغيرات في مواقف الغرب والولايات المتحدة فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وحتى فرنسا، التي أكدت حاجة بعض الدول غير الأعضاء في مجموعة 5 + 1 للمشاركة في محادثات الاتفاق النووي، أعلنت عن بدء محادثات بين أعضاء الاتفاق النووي لعودة الولايات المتحدة للاتفاق.
وعليه، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا أعلن فيه أن ممثلي الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا وإيران تحدثوا عبر مؤتمر فيديو، وسيناقش المشاركون في الاجتماع إمكانية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، والتأكد من تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وفعال من قبل جميع الأعضاء.
وفي الوقت نفسه، نقلت رويترز عن مصادر دبلوماسية قولها إن إيران تجري محادثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ووفق دبلوماسي تحدث لرويترز، تركزت المحادثات على خطة إيران المقترحة.
تعرضت إيران لأشد العقوبات من قبل الغرب والولايات المتحدة على مدار الأربعين عاماً الماضية بعد الثورة الإسلامية، ويمكن اعتبار ذروة الضغط الغربي والعقوبات ضد إيران خلال إدارة ترامب تحت عنوان سياسة الضغط الأقصى على إيران.
وعلى الرغم من الضغوط العديدة التي فرضتها العقوبات على إيران حتى الآن، إلا أن هذه العقوبات لم تكن قادرةً على تغيير المواقف الثورية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، واتخذت طهران دوماً سياسةً حازمةً وواضحةً ضد السلوك العدائي للولايات المتحدة والغرب.
في الواقع، حتى تحت ضغط ترامب الأقصى، كانت العقوبات غير فعالة في تغيير قناعات إيران، وحتى المسؤولون الغربيون والأمريكيون في إدارة بايدن أقروا مراراً وتكراراً بأن العقوبات فاشلة ولم تحقق أهدافها.
اتفاقيات إيران الدولية الجديدة مع دول أخرى، وخاصةً الصين وروسيا، قادت الدول الغربية والولايات المتحدة إلى استنتاج مفاده بأن التحالف غير الغربي ووجود إيران النشط في السوق الاقتصادية والتجارية لآسيا الوسطى، يعني عملياً أن العقوبات لا تؤثر في الاقتصاد الإيراني، وإذا لم يتفاوض قادة واشنطن مع مسؤولي طهران الآن بذريعة رفع العقوبات، فإنهم سيفوِّتون الفرصة في المستقبل, فلا يمكن الإنتظار بحسب الرؤية الغربية ان تصل ايران للتخصيب الكامل لليورانيوم بما يمكنها من صنع القنبلة النووية-وهو أمر تنفيه ايران جملة و تفصيلاً- وعندها لن تكون ايران بحاجة للإتفاق النووي وستكون الاستفادة من الفرصة الحالية محدودة للغاية، قبل أن يظهر المزيد من عدم فعالية العقوبات ضد طهران.
يدرك الرأي العام العالمي الآن أنه خلال الاتفاق النووي، کانت الولايات المتحدة والغرب هي التي لم تلتزم بتعهداتها في اتفاقية دولية متعددة الأطراف، وهكذا ستواصل إيران برنامجها النووي بشرعية أكبر وأقوى وأكثر فعالية فهي أوفت بالتزاماتها أمام اطراف وقعت و تنصلت من التزاماتها وبالتالي، نظراً لعدم مسايرة الرأي العام العالمي للولايات المتحدة في الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، يحاول المسؤولون في إدارة بايدن الآن التوصل إلى نفس الاتفاق النووي السابق مع إيران، ومنع إيران من زيادة التخصيب السلمي.
في الوقت نفسه، أثبتت سلسلة التطورات التي حدثت في الأشهر الأخيرة، وحتى العام الماضي في الهجوم الإرهابي الأمريكي واستشهاد اللواء سليماني وما تلاه من استشهاد العالم النووي الإيراني، إلى أي مدى تحاول الولايات المتحدة والدول الغربية عرقلة إيران ومعاداتها.
إن مجمل هذه التطورات عزَّز التماسك الداخلي في إيران ضد مؤامرات الغرب، ودفع الرأي العام الداخلي في إيران في انسجام ووحدة نموذجيين للمطالبة بمقاومة أطماع الدول الغربية المعادية.
ومن ثم، رغم الضغوط والجهود السابقة لمواجهة إيران، أعلنت الولايات المتحدة الآن، في تحول كبير، عن استعدادها للتفاوض في إطار الاتفاق النووي، والعودة إلى الاتفاق؛ لأن واشنطن تدرك أن هناك تماسكًا منسقًا في إيران لا يمكن تجاهله أو تجاوزه بسهولة وأن الإعتراف بها كقوة فاعلة في الشرق الأوسط أمر لا بد منه ولا مناص من تجاهله.
وفي هذا السياق اعتُبر سحب وزارة الحرب الأمريكية صواريخ باتريوت من السعودية، وإنهاء تمركز حاملات الطائرات من المنطقة أن الرئيس “جو بايدن” يعتبر أن إيران هي القوة الحقيقة في منطقة الشرق الأوسط.
فالخطوة الأمريكية تتزامن مع توقيع إيران اتفاقية استراتيجية واقتصادية طويلة الأمد مع الصين، وهي الاتفاقية التي تتعلق بتجارة النفط والغاز بين طهران وبكين والتي تقوض بشكل مباشر العقوبات الأمريكية على إيران.
كما تشير الاتفاقية الصينية الإيرانية إلى أنه الأفضل لحلفاء أمريكا في أوروبا العودة إلى إيران إذا كان يريدون أي جزء من طاقتها وتجارتها.
وعلى الرغم من ذلك فإن إدارة “بايدن” عبرت عن قلقها من أن الاتفاقية الموقعة بين بكين وطهران تقوض العقوبات على طهران إلا انها استدركت أن كلا من الصين وأمريكا تشتركان في معارضة امتلاك إيران للأسلحة النووية.
العديد من الخبراء في السياسة الخارجية يحاولون التفكير بعمق في أسباب اختيار “بايدن” نبذ السعودية وتقويض علاقة استراتيجية واقتصادية وعسكرية طويلة الأمد مع المملكة ودول الخليج الأخرى الموالية لأمريكا.
وإحدى التفسيرات تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تبذل قصارى جهدها لإقناع إيران بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون شريكا جيدا في المستقبل، فإيران من المنظور الاستراتيجي هي القوة الحقيقة الوحيدة في الخليج ووفقا لذلك، فإن الخيارات الوحيدة المتاحة إما الدخول في حرب مع إيران أو محاولة عقد صفقات مع نظامها, فالدول الأخرى في الخليج (السعودية والإمارات وعمان وقطر) تعتبر من موردي النفط، لكنها دول ضعيفة عسكريا وثبت ذلك بالدليل القاطع في اليمن.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا تملك القدرة على تغيير تلك الحقائق، لذا فإنها تحاول عمل شيء مختلف والتحالف مع إيران.
إلا أن هناك تفسيرأً آخر يرى أن “بايدن” ينظر إلى السعودية بأنها ليست دولة تقدمية ولا يمكنها توفير قيادة بديلة للمنطقة، فضلا عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة بما في ذلك اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي.
والأمر الآخر المثير للدهشة أن إدارة “بايدن” لم تستشر “إسرائيل” بشأن هذه التحركات العسكرية الحاسمة في المنطقة، على الرغم من إيران لم تخف رغبتها في تدمير “إسرائيل” إذا سنحت لها الفرصة.
وعلاوة على ذلك، قامت إيران بتسليح حزب الله والفصائل الشيعية في العراق بصواريخ دقيقة بعيدة المدى والتي من الممكن أن تستهدف “إسرائيل”.
كما تعمل قوات من الحرس الثوري الإيراني في سوريا بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة وتحاول وضع نفسها وصواريخها في أقرب مكان ممكن لاستهداف الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي دفع تل أبيب لشن هجمات متكررة على سوريا دعماً لحلفائها من الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا أملاً في اضغاف ايران وحلفائها.
وبالرغم من ذلك فإن إدارة “بايدن” لم تفعل شيئا سوى تشجيع بعض دول الشرق الأوسط على الابتعاد عن اتفاقيات أبراهام التي قامت الإمارات والبحرين بموجبها بتطبيع علاقاتهما مع “إسرائيل” في خطوة غير مسبوقة.
وفي غضون ذلك، من المرجح أن تواجه السعودية أوقاتا عصيبة ما لم تجد طريقة للحصول على درع صاروخي بديل للباتريوت الأمريكي، ويلوح خيار شراء إس-400 الروسي في الأفق رغم تواجد منطومة مقلاع داوود الإسرائيلية على الأراضي السعودية.
غير أن السعودية سبق أن حاولت شراء المنظومة الروسية قبل سنوات ووجدت مقاومة شديدة من واشنطن، وقامت بشراء أنظمة دفاع جوي من “إسرائيل”، ومع ذلك فإن بعضها يتطلب الحصول على تراخيص تصدير أمريكية.
المصدر: الواقع السعودي