بدل إخضاعه للنقاش والوقوف على مصلحة لبنان منه، صار اقتراح تعديل المرسوم 6433، المتعلق بتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، أسير حسابات المعنيين السياسية وعرضة لتقاذف المسؤوليات حول صلاحية الوزارات المعنية للبت به. جرت محاولة حصر المسؤولية بوزارة الدفاع لإحالتها كتاب قيادة الجيش عن إقتراح تعديل المرسوم من دون توقيع، وإغفال دور وزارة الاشغال العامة والنقل المعنية الأساسية بالملف فيما يعتبر وزيرها نفسه غير معني بالأمر وتفاصيله ويرفض مبدأ مناقشته. فما الذي حصل بين رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع ولماذا هذا التهرّب من بت الموضوع ورفض نقاشه؟
معلّلة الأسباب الموجبة أعدت قيادة الجيش مشروع المرسوم الرامي الى تعديل المرسوم رقم 6433 بما يتوافق مع ما تنصّ عليه المادة 17 من القانون رقم 163/2011 واستناداً لما ورد من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل.
أودعت نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر نسخة عن كتاب القيادة ليحصل اللغط الذي صوّر إحالة عكر الكتاب غير موقع الى رئاسة الحكومة على انه امتناع عن التوقيع، علماً ان صلاحية التعديل محصورة دستورياً برئيس الحكومة، وهو ما حاولت عكر ايضاحه في مراسلاتها لرئاسة الحكومة، و”عملاً بقاعدة موازاة الصيغ الادارية، وبما تنصّ عليه المادة 17 من القانون رقم 163/2011، وبما ورد في الاستشارة رقم 87/2021 من هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل”، قالت عكر ان “إصدار الصيغة بهذا التعديل ينبغي أن يتم بقرار من مجلس الوزراء بناء على إقتراح السيد رئيس مجلس الوزراء ووزير الاشغال العامة والنقل، كون المرسوم المنوي تعديله قد صدر بناء على إقتراحيهما ويحمل توقيعيهما مع توقيع لوزير الدفاع الوطني تبعاً لكتاب قيادة الجيش ولتلك الإستشارة”.
لكن رئاسة الحكومة أعادت الملف مجدداً لاستكماله وبيان رأي وزارتي الطاقة والمياه والاشغال العامة والنقل وتوقيع مشروع المرسوم، وذلك بعدما تبين لها ان الملف غير مستكمل “بفعل عدم ورود آراء الوزارات المعنية باستثناء وزارة الخارجية والمغتربين الذي ورد الينا (…) علماً ان مشروع المرسوم المرسل لا يحمل توقيع السيدة وزيرة الدفاع”.
وردّاً على الرد، أرسلت عكر كتاباً جديداً الى رئاسة الحكومة تشير من خلاله الى عدم وجود علاقة لوزارتي الخارجية والطاقة او للمجلس الوطني للبحوث العلمية بمشروع المرسوم، الذي يرمي الى تعديل المرسوم 6433 لأن هذا الاخير صدر بصورة محددة بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح رئيس الحكومة ووزير الاشغال العامة والنقل، ونظراً لإرتباط مشروع المرسوم التعديلي بقرار من مجلس الوزراء وتبعاً لاستقالة الحكومة، من الضروري أخذ توجيهات رئيس الحكومة بهذا الصدد قبل السير بهذا المشروع، خصوصاً أن القرار يعود لمجلس الوزراء اتخاذه هو أحد بناءات مشروع المرسوم المذكور.
وتابعت تقول في كتابها ان توقيع وزيرة الدفاع لمشروع المرسوم التعديلي يرتبط بلوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمنطقة البحرية اللبنانية، والتي أعدتها قيادة الجيش وبالمادة 15 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 المعدل، علماً ان استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل التي أوصت بهذا التوقيع هي غير ملزمة لوزارة الدفاع الوطني.
وبعد القيام بالمقتضى الاداري بشأن مشروع المرسوم بتعديل المرسوم رقم 6433، فإنه يتعين إتباعه بتعديل المرسوم رقم 42/2017 حيث أن الأول يؤلف احد بناءات الثاني. وهنا يمكن استشارة الوزارات المعنية والتي لم تقترن جميعها بجواب حتى اليوم.
إذاً، البت بملف التعديل من عدمه محصور بقرار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي عليه ان يختار، اذا ما اراد التوقيع، ان يكمل الخطوات من خلال المراسيم الجوالة او طرحه للبحث. لكن لا يبدو ان دياب بوارد تبني هذه او تلك من الافكار مصراً على تجنب تحمل عبء هذا القرار، مشترطاً وفاقاً وطنياً يبدأ من مجلس النواب خلافاً لأي نص قانوني او دستوري. وتظهر المراسلات المتبادلة مع وزارة الدفاع محاولة رئاسة الحكومة رمي كرة المسؤولية خارج ملعبها، بالمقابل يبدو لافتاً إصرار قيادة الجيش على خوض معركة تعديل المرسوم واعتبار التخلف عن ذلك بمثابة خيانة عظمى.
لهجة التخوين تلك لم ترق للمعنيين بالملف، وبعضهم لم يجد حلاً للغز الذي يعتري هذا الملف. فمن جهة تصر قيادة الجيش على تعديل يرفضه الوسيط الأميركي وتظهر وجهة نظر منطقية بحق لبنان في مساحات اضافية من مياهه، ومن جهة أخرى يلاقي رئيس مجلس النواب نبيه بري، دياب، على رفضه ويعتبر أن التفاوض على اساس مساحة جديدة يفرض التمسك بكامل الحق وإلا يعد تنازلاً. صار المشهد على الشكل التالي، قامت قيادة الجيش بواجباتها وتنتظر قرار السياسيين وهؤلاء لا يبدون حماسة للسير بالتعديل حتى الساعة. وعلى المقلب الآخر ابلغ الوسيط الاميركي استحالة العودة الى طاولة التفاوض اذا ما عدّل لبنان المرسوم مطالباً بكامل حقه.
وجهتا نظر فيهما من المنطق ما يوجب طرح الامر على طاولة البحث داخلياً بين الرؤساء الثلاثة ووزيري الدفاع والاشغال بمشاركة قيادة الجيش، لا تحميل المسؤولية إلى جهة وتصويرها على انها مقصرة والتلطي خلف اعتبارات لا تمت الى الدستور بصلة بينما يتم اغفال ما نص عليه الدستور.