كيف ترتفع الجريمة في لبنان؟
مهند الحاج علي|المدن
منذ عام 2019 لم تُخطئ التوقعات بارتفاع الجريمة نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي المترافق مع الأزمة السياسية. والقاعدة الذهبية كانت نقطة التقاء بين عاملين، الانخفاض الرهيب في القدرة الشرائية للمواطن، وتراجع استعداد عنصر الأمن للتضحية لأسباب مادية (تلاشي القدرة الشرائية) وسياسية (انعدام الثقة في الطبقة الحاكمة وقدرتها). عملياً، هذا التلاقي حاصل، والعلامات عليه كثيرة، ربما كان أكثرها وضوحاً عملية الفرار الجماعي من سجن بعبدا، وأخيراً رفض قيادة الجيش فتح الطرقات بالقوة.
والارتفاع في الجريمة ملحوظ، ولكنه لا يرقى للآن الى فلتان أمني واسع النطاق. “الدولية للمعلومات”، وفي تقرير لها يتناول الربع الأول من هذا العام، لحظت ارتفاعاً في نسبة جرائم القتل بنسبة 45.5 % (32 قتيلاً مقارنة بـ22 قتيلاً في الفترة ذاتها من عام 2020). جرائم السرقة ارتفعت بنسبة 144 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. ووفقاً للتقرير ذاته، بقيت سرقة السيارات على حالها مقارنة بالعام الماضي، 115 سيارة، رغم أن هذا العام شهد اغلاقاً عاماً.
لكن خلال الأيام الماضية، برزت مؤشرات مقلقة الى ارتفاع ملحوظ في مستوى الحوادث الأمنية بأنحاء البلاد، مع قائمة ضحايا في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت. تراوحت هذه الجرائم بين عمليات اطلاق نار في حوادث فردية واشتباكات عائلية أو عملية ابتزاز مالي، علاوة طبعاً على وفاة 3 شابات غرقاً في الشمال. عديد القتلى ليس عادياً لأيام معدودة، ويفرض سؤالاً عمّا إذا كنا دخلنا في مرحلة جديدة من الانهيار الأمني، تترافق مع عاملين جديدين، الأول هو تضخم متواصل نتيجة ارتفاع غير عادي في سعر صرف الدولار، وهو أحال غالبية اللبنانيين فقراء خلال فترة قصيرة. والثاني هو إعادة فتح البلاد بعد عمليات اغلاق طويلة. ذاك أن انعدام القدرة الشرائية للناس خلال الأسابيع الماضية نتيجة ارتفاع سعر الصرف وعدم التعديل في الرواتب، كان خفياً في فترة الاغلاق والحبس المنزلي. وهذا الانحدار في القدرة الشرائية ومستوى الحياة سيظهر جليّاً عند فتح البلاد والعودة التدريجية لدورة الحياة. موسم الصيف قريب، من يملك مالاً لشراء ألبسة جديدة لأولاده، ناهيك عن دخول المسابح أو ارتياد النوادي أو المقاهي أو أي نشاط آخر. وهذه الاحتكاكات السلبية مع الواقع اليومي، ستُساهم في رفع نسب الجريمة.
وهذا مسار تصاعدي حصل في بلدان شهدت انهيارات مماثلة نسبياً لما حصل عندنا، أي انهيار في العملة والقطاع المصرفي والاقتصاد، كالأرجنتين على سبيل المثال. في أزمة الأرجنتين(2001-2003)، وتحديداً بعد سنتين على الانهيار وتداعياته، تضاعفت نسبة الجريمة ثلاث مرات. وفقاً لكتاب جون جتر (2009) عن هذه الحقبة، سُرقت 275 سيارة يومياً في مقاطعة العاصمة بيونس آيرس (13 مليون نسمة)، ووقعت أربع عمليات خطف أسبوعياً خلال فترة الذروة في الانهيار.
ولهذه الجرائم أثر في التركيبة الإجتماعية، إذ تتضاعف المناطق السكنية المحمية أو المُغلقة، ويعلو منسوب انعدام الثقة بين الناس. وفي بلد مثل لبنان، ينعكس ذلك على ما تبقى من احتمالات السياحة والتنقل بين المناطق.
ذلك أن التحسن الاقتصادي بعد الانهيار لا يعني انخفاضاً تلقائياً في منسوب الجريمة التي تكتسب حياة خاصة بها لا تنطفئ بكبسة زر، سيما في حال نمو واسع للجريمة المنظمة. حينها، قد يتحول منسوب الجريمة المرتفع الى طريقة حياة على اللبنانيين الاعتياد عليها.