هل تشعل العبارات على الجدران..ثورة ثانية في سوريا؟

منصور حسين|المدن

مع اتساع هوة الفقر وتفاقم المشاكل المزمنة التي تعاني منها مختلف القطاعات الاقتصادية، تتزايد نقمة سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لتأخذ أشكال الاحتجاج منحى تصاعدياً في العديد من المدن السورية، بعد أن استنفذ المواطنون كل محاولات تأمين متطلبات العيش الأساسية.

وبالرغم من استبعاد كثيرين من السوريين فكرة انفجار ثورة جياع لأسباب عديدة، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك. فقد شهدت مناطق عديدة مظاهرات وانتشار عبارات جدارية تطالب برحيل نظام الأسد وتحمله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المعيشية على جميع المستويات.

عبارات الثورة الأولى
بعد انتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي، لعبارات مناهضة للأسد مكتوبة على جدران بلدة حفير الفوقا “الأثرية” بمنطقة القلمون بريف دمشق، سارع ضباط من فرعي المخابرات والأمن العسكري إلى دخول البلدة، وعقدوا اجتماعاً مع وجهائها والمسؤولين الحكوميين فيها، الذين تعهدوا بضبط الشبان ومنعهم من القيام بأي نشاطات معارضة، بعد التهديد بعودة الحملات والملاحقات الأمنية للمدنيين.
سوريا حفير كتابات ضد الأسد
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً حصلت المدن على بعضها، تظهر عبارات مكتوبة على جدران بلدة حفير الفوقا تنذر بالمجاعة وتطالب برحيل بشار الأسد ونظامه.

كما شهدت مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية في ريف دير الزور الأسبوع الماضي، استنفاراً أمنياً وعسكرياً مكثفاً من قبل عناصر قوات النظام والمليشيات الموجودة في المدينة، بعد انتشار عبارات على جدران بعض المدارس تطالب بإسقاط الأسد وطرد المليشيات الإيرانية من المدينة.

ويؤكد الناشط نذير ديراني في حديث ل”المدن”، أن الأهالي عمدوا إلى العديد من أنواع الاحتجاج السلمي قبل بلوغها هذا السقف من المطالب، منها تعليق رغيف الخبز على نقاط مرتفعة ورئيسية مثل جسر الحياة وسط مدينة البوكمال قبل أسابيع.

ويضيف “نتيجة ما وصل إليه الأهالي من صعوبة تأمين قوت يومهم، أخذت ظاهرة سرقة الطعام واقتحام المطابخ بالانتشار، وهي ظاهرة لم تعرفها مدينة البوكمال من قبل، حيث سجلت العديد من الحالات منها ما تم الإبلاغ عنه وأخرى انتشرت على نطاق واسع بعد ترك رسائل اعتذار وتبرير من الجناة بعدم قدرتهم على تأمين الطعام لأطفالهم”.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد أعلنت في تقريرها الذي صدر في آذار/نيسان، أن تقاعس النظام السوري عن معالجة أزمة الخبز بصورة عادلة وملائمة، “يدفع بملايين السوريين إلى الجوع”.

لا تغيير في النهج
وردد الكثيرون ممن تواصلت معهم “المدن” عبارة “الناس جاعت”، ولم ينفكوا عن المقارنة بين وضعهم الحالي وما كان عليه خلال فترة المعارك بين قوات النظام والمعارضة، وندمهم على قرار البقاء في الداخل السوري.

“لا وجود للحياة في حلب”، هكذا يصف أبو عبد الرحمن من سكان حي الأنصاري في حلب الوضع المعيشي في المدينة. ويقول: كل شيء سعره نار، مقابل غياب الدخل المادي، أقل منزل اليوم بحاجة إلى أمبيرين كهرباء بسعر عشرين ألف ليرة اسبوعياً، والمياه غير متوفرة بشكل دائم، وربطة الخبز سعرها 500 ليرة، واللحم الأبيض 4500 ليرة والأحمر يقارب 30000 “منين تاكل الناس!!”.

ومع ذلك، لا يبدو أن النظام يخشى من اندلاع ثورة جياع في مناطق سيطرته، مع استمراره باتباع سياسة تقنين المخصصات بشكل دوري، آخرها تخفيض مخصصات السيارات من البنزين المدعوم، رغم الأزمة الخانقة التي يعاني منها قطاع المواصلات، وتحضيراته لإجراء الانتخابات الرئاسية التي تخول بشار الأسد البقاء في السلطة حتى 2028، دون تأجيل، بالرغم من التحذيرات الغربية بتشديد العقوبات على النظام في حال حدوثها.

ويرى المحلل السياسي درويش خليفة في حديث ل”المدن”، أن الكتابة على الجدران لا يمكن التعويل عليها في صناعة حدث يلفت أنظار المجتمع الدولي، مع تمتع النظام في كثير من المناطق بهيمنة نسبية على المستوى الأمني، مثل السويداء ودرعا، خاصة وأن الأوضاع الحالية تختلف عما كانت عليه عام 2011.

ويضيف “الجميع يدرك أن النظام هو من أوصل السوريين إلى هذه الحالة، ولكنهم بالمقابل لا يجرؤون على القيام باحتجاجات يعرفون أنها ستودي بهم إلى الموت أو الاعتقال، لأن تهمة الإرهاب تنتظرهم”.

ويرى خليفة أن الجغرافيا السورية تشهد صراعاً معقداً قسمها إلى مناطق نفوذ تتوزع على جيوش خارجية فيما تخضع سلطات البلاد لعقوبات دولية، و”هذه العوامل جميعها كفيلة في سكوت الناس على مأساتهم بالرغم من بعض التحركات التي تزعج النظام، إلا أنها تبقى تحت السيطرة”.

في حين يعتقد مسؤول الدائرة السياسية في اتحاد ثوار حلب هشام سكيف أن انتفاضة السكان في مناطق النظام قادمة “لا محالة”، مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، إلا أنها ستكون “من داخل الحاضنة الشعبية للنظام والخزان البشري لمليشياته”.

ويضيف ل”المدن”، أن “المحافظات الرئيسية مثل دمشق وحلب وبقية المناطق التي عاش أبناؤها الثورة والحرب السورية، باتت تفتقد إلى مقومات الثورة، ولايمكن التعويل عليها بقلب الموازين حالياً، وهذا الأمر يدركه النظام جيداً، وهو ما يفسر استمراره بالضغط على الأهالي وعدم اكتراثه بأوضاعهم”.

ويشير سكيف إلى أن أكثر ما يتخوف منه بشار الأسد هو انقلاب حاضنته الرئيسية، وهو ما يجري حالياً في العديد من قرى الساحل الموالية التي بدأت تتأثر بالأزمة الحالية، بعد فشله في تعويضهم عن أبنائهم والخدمات التي يقدمونها في سبيل بقائه، نتيجة العقوبات المفروضة عليه دولياً وأميركياً، “إضافة إلى تزعزع الثقة داخل قوى النظام الأساسية جراء الصراع بين زوجة الأسد ورامي مخلوف، ووقوف قسم من الطائفة العلوية مع مخلوف لاعتبارات عديدة، أهمها الخوف على مصالحهم الشخصية وتحجيم دورهم الاقتصادي الذي كان يدعمه مخلوف”.

بينما يعتقد البعض أن إرهاق السوريين بعد عشر سنوات دامية مرّت عليهم سيمنعهم من القيام بأي حراك شعبي كرد فعل على تدهور وضعهم المعيشي إلى حد بات ينذر بالمجاعة، لا يستبعد البعض أن يحدث الانفجار في أي لحظة وأن تشهد البلاد ثورة ثانية ربما يكون عنوانها “ثورة الجوع”.

Exit mobile version