خاص “لبنان 24”
“لا نقف خلف أفراد في لبنان، وسنكون مستعدين للوقوف خلف لبنان ما دامت الطبقة السياسية هناك تتخذ خطوات حقيقية لمعالجة المشاكل التي يواجهها البلد”. بهذه العبارات، تطرّق وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان إلى الملفّ اللبنانيّ، مُعلِنًا من خلاله أنّ المملكة “مستعدة” لدعم “أيّ شخص” في لبنان يمكنه تبنّي أجندة إصلاحيّة.
لم يأتِ كلام الوزير السعودي حول لبنان، “معزولًا” في الزمان والمكان، فهو جاء بعد أيام على تواصلٍ سعودي-فرنسيّ طال انتظاره، جمع عبر الهاتف، كلاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، جدّدا من خلاله الدعوة إلى تشكيل حكومة ذات مصداقيّة، قادرة على تنفيذ خريطة الطريق للإصلاحات المطلوبة للنهوض.
وبين الموقفين الأول والثاني، معطوفيْن على “الحِراك” الذي يقوده السفير السعودي وليد بخاري، تكثر التكهّنات حول “خلفيّات” المقاربة السعوديّة للأزمة اللبنانيّة، وما إذا كان هناك من “تحوّل نوعيّ” على خطّها، كما يوحي البعض في لبنان مثلاً، حتى أنّ كثيرين توقفوا عند “الإشادة” المُبالَغ بها بكلام بن فرحان من جانب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل!
“رسالة للحريري”؟
لا شكّ أنّ المملكة العربية السعودية “منكفئة” عن الشأن اللبنانيّ منذ فترة غير قصيرة، وهو ما لا تخفيه قيادتها التي لا تبدو “راضية” عن الأوضاع العامة في هذا البلد، للكثير من الاعتبارات والأسباب. لكن، لا شكّ أيضًا أنّ بعض الأطراف يسعون جاهدين، لـ”إقحامها” في صلب المشاحنات الحاصلة، في محاولة لـ”انتزاع” موقف منها يمكن “توظيفه” هنا أو هناك.
من هذه الزاوية، يمكن تفسير أداء فريق “العهد” في الفترة الأخيرة، بدءًا من الحديث الدائم عن انتظار الرئيس المكلّف سعد الحريري “مباركة” السعودية لتشكيل الحكومة، مرورًا بتصوير زيارة السفير السعودي وليد بخاري إلى بعبدا، بناءً على دعوة الرئيس ميشال عون، وكأنّها “رسالة سلبيّة” إلى الحريري بالتحديد، رغم كلّ ما هو مُتعارَف عليه من أصول دبلوماسيّة.
ولعلّ “تهليل” رئيس “التيار الوطني الحر” لمواقف بن فرحان، وإعطاءها منحى “المواجهة” مع الرئيس المكلَّف، عبر التساؤل حول مدى “التزامه” بمقتضاها، يصبّ في السياق نفسه، خصوصًا أنّ الرجل لم يأخذ من كلام الوزير السعودي سوى ما يريد، وتجاهل ما تبقّى من حديثه، وفيه إدانة واضحة لنهج “العهد” وحليفه “حزب الله”، بل الطبقة السياسيّة مجتمعةً.
الموقف واضح
لكن، بمُعزَل عن النوايا “غير البريئة” التي قد تكون خلف “حماسة” باسيل واندفاعته، يؤكد المطّلعون والعارفون أنّ كلام الوزير السعودي لم يحمل “انقلابًا” في الرؤية السعودية للأزمة اللبنانيّة، بل إنّه لم يحمل “جديدًا نوعيًا” يُبنى عليه خارج الثوابت المعروفة، كما أنّه لم يوحِ بأيّ عودة عن “الانكفاء” التي لا تزال مقوّمات “صموده” غالبة على ما عداها.
ويشير هؤلاء إلى بعض البنود الأساسية في كلام بن فرحان، والتي تجاهلها باسيل عن عمد، والتي تختصر الموقف السعوديّ بعمقه، بدءًا من قوله صراحةً إنّ المملكة “لا تشعر بأنه من المناسب الاستمرار في دعم الوضع الحالي”، مرورًا بتصويبه على جذور المشكلة، من وجهة النظر السعودية، والمتمثلة تحديدًا في “حزب الله” الذي يتمتع بحكم الأمر الواقع.
أما “تهليل” باسيل لكلام الوزير السعودي عن أنّ المملكة مستعدة لدعم أيّ شخص، والذي صُوّر كأنّه موجَّه ضدّ الحريري، فمجتزأ كما يقول العارفون، الذين يلفتون إلى أنّ كلمة السرّ التي حرص بن فرحان على التشديد عليها تبقى في الإصلاحات، إذ أكد أنّ السعودية تأمل في أن يتمكن اللبنانيون من تبني أجندة إصلاحية، “وإذا فعلوا ذلك فإننا سنقف هناك لدعمهم”.
وبهذا المنحى، يتقاطع الموقف السعودي مع ذلك الدوليّ، والفرنسيّ تحديدًا، الذي يقف خلف شعار “ساعدونا لنساعدكم”، ما يؤكد أنّ أيّ دعم للبنان “مشروط” بتغيير “الأمر الواقع” الحاليّ، والشروع في الإصلاحات التي لا بدّ منها، خصوصًا أنّ الرياض غير مستعدّة، كما يجزم المقرّبون منها، على تكرار تجارب الماضي غير البعيد، والتي لم تنسَ تداعياتها بعد.
قد تكون “مفارقة” تغييب الملفّ اللبنانيّ عن البيان السعودي الرسميّ حول اتصال ماكرون وبن سلمان كافية لتأكيد استمرار نهج “الانكفاء” سعوديًا، بمُعزَلٍ عن الأشخاص والأفراد، “انكفاء” وحدهم اللبنانيون قادرون على تغييره، بالإقلاع عن شروطهم التعجيزية، والشروع في تشكيل الحكومة الموعودة، والأهمّ، مباشرتها في تنفيذ الإصلاحات فورًا وقبل فوات الأوان.