علي هاشم-180Post
فيما تخرج إيران تدريجيا من إجازة عيد رأس السنة الهجرية الشمسية، نوروز، طفت إلى العلن تطورات على صعيد الملف النووي الإيراني أعادته مجددا إلى الصدارة بعد لقاء أولي بين الدول المشاركة في التسوية النووية المتداعية عبر تقنية الفيديو.
تبع الاجتماع إعلان من الأطراف جميعا بأن لقاء آخر بين بريطانيا وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وإيران سيعقد الثلاثاء 6 نيسان/ أبريل 2021، في العاصمة النمساوية فيينا بتنسيق من الاتحاد الأوروبي، والأهم هنا، أن وفدا من الولايات المتحدة سيكون حاضرا في فيينا للقاءات منفصلة مع المنسق الأوروبي للاتفاق على إطار العمل بالتوازي مع لقاءاته مع الطرف الإيراني والدول الأخرى.
وكما نقلت “جاده إيران” أمس عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فإن الهدف المعلن من اللقاء في فيينا هو “وضع خارطة طريق لرفع العقوبات الأميركية بشكل كامل وعودة إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي”، لكن ذلك لا يبدو هدفا سهلا لحكومة لم يتبق من عمرها سوى أسابيع قليلة ربما تقضي معظمها في التحضير لاستحقاق آزف وأكثر أولوية بالنسبة للمؤسسة الحاكمة في طهران، ألا وهو الانتخابات الرئاسية في حزيران/ يونيو المقبل. لذا فما يحدث هذه الأيام يمكن اعتباره سباقا مع الوقت بل وسباق تتابع بين استحقاقات عديدة، واحد بين أميركا وإيران، وآخر بين الحكومة الحالية في طهران وبين الانتخابات والتيار الأصولي الطامح للعودة للحكم، وثالث بين العقوبات والاقتصاد الإيراني الذي يبدو وكأنه بدأ باحتواء التأثير المباشر للإجراءات الأميركية بحكم مرور الزمن، دون أن يكون قادرا في الواقع على الخروج من الأزمة كليا لارتباطها بجذور بنيوية.
وفي حين قالت مصادر غربية دبلوماسية لـ “جاده إيران” إن اللقاء المباشر في فيينا لم يأت نتيجة اللقاء عبر تقنية الفيديو يوم الجمعة، بل نتيجة قناة خلفية نسقت خارطة طريق لانطلاق الحوار، بدت الحكومة الإيرانية أكثر تحفظا في ما يتعلق بالمسار مع تأكيدها على عدم اللقاء مع الأميركيين بشكل مباشر لعدم الحاجة لذلك، كما أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف لن يكون حاضرا في الاجتماع، لكنها برغم تحفظها بدت وكأنها اقتربت من خط أحمر رئيس كان كرره القائد الأعلى آية الله علي خامنئي في أكثر من مناسبة، وهو ضرورة عودة الولايات المتحدة عن كل عقوباتها وتأكد إيران من ذلك، ومن ثم يمكن أن تعود أميركا بشكل طبيعي إلى الاتفاق النووي بالتزامن مع عودة إيران للتقيد بالتزاماتها.
لم يطل جو التفاؤل كثيرا حتى صرّح مصدر (إيراني) مسؤول لقناة “برس تي في” الإيرانية الناطقة بالإنكليزية بمضمون ما جاء أعلاه، ولعل المنبر المستخدم للإعلان واللغة يشيران إلى رغبة صاحب الموقف، التي من المفترض أنها مؤسسة الحكم في طهران، في التأكيد على وصول الرسالة باللغة المطلوبة دون الحاجة لأي تفسير أو تحوير أو ضياع للمعنى في الترجمة. الموقف أكد ألا تزامن في العودة عن العقوبات مقابل عودة إيران إلى التزاماتها، بخلاف ما جرى ذكره في بيان الاتحاد الأوروبي حول الاتفاق على شكل الإجراءات التي سيجري تطبيقها في إيران والولايات المتحدة.
الولايات المتحدة بدورها بدت واقعية في تصريحاتها حول اجتماع الثلاثاء والعودة للاتفاق إذ أكد المتحدث باسمها أنها لا تتوقع “تحقيق اختراق فورا إذ ستكون أمامنا محادثات صعبة. لكننا نعتقد أن هذه خطوة مفيدة إلى الأمام”. مصدر رفيع في الاتحاد أوروبي قال إن عملية جمع المطالب الإيرانية والأميركية وتنسيق الخطوات يجب ألا يأخذ أكثر من شهرين، في الوقت الذي أكمل وزير الخارجية الألماني هايكو ماس جملة المصدر الأوروبي بالقول “نحن لا نملك الوقت لنخسره.” الوزير الألماني لفت بشكل مثير للانتباه إلى أن العودة لاتفاق نووي تحترمه جميع الأطراف سيشكل إضافة نوعية للأمن في المنطقة وسيكون لبنة صالحة لمعالجة أسئلة مهمة حول الاستقرار الإقليمي.
كلام ماس يعكس رغبة بتخطي المرحلة بأقل خسائر ممكنة للوصول إلى حيث يجب أن تصل المفاوضات، إلى النفوذ الإقليمي لإيران وبرنامجها الصاروخي، وهو ما لا تبدو طهران حتى الآن مستعدة للحديث حوله، وهو أيضا ما لن ترضى المؤسسة الحاكمة بأن تعالجه حكومة في أيامها المائة الأخيرة.
السباق لا يبدو سهلا البتة على كل المستويات المذكورة، لكن الغموض الذي يحيط بالانتخابات الرئاسية حتى اللحظة في عيون الغربيين، يعطي لطهران وتحديدا لقائدها خامنئي فرصة للمناورة خلال فترة البطة العرجاء لحكومة روحاني، بحيث يستطيع جرّ الغربيين إلى التنازلات تحت عنوان التفاوض مع حكومة اليوم المعتدلة خير من التفاوض مع حكومة أصولية متشددة قد تأتي غدا، كما أن الغرب قد يرغب على هذه القاعدة بتقديم الضمانات الممكنة للحكومة الحالية لعله بذلك يساهم في صناعة حالة شعبية ملائمة لفوز مرشح معتدل بالانتخابات، الانتخابات ذاتها التي قد تكون بدورها سببا آخر يمنع حكومة روحاني من تحقيق الإنجاز.
بالنظر إلى تجارب الماضي، تحديدا اتفاق ٢٠١٥ النووي ومسار صناعته، نجد أن المفاوضات السرية بدأت في السنة الأخيرة من فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الرئاسية ولم يقطف زهرة هذا المسار، عن سابق إصرار وتصميم، سوى حكومة الرئيس الجديد المنتخب. بنى حينها حسن روحاني كل مرحلته على أسس حلم تحول لاحقا إلى كابوس وها هو مع نهاية فترته الرئاسية يواجه تداعياته وظروفه في حال أسوأ بكثير من تلك التي كان عليها سلفه أحمد نجاد، لكن مع تهديد أكبر لطموحاته التي تتخطى الرئاسة إلى منصب القيادة العليا على المدى المتوسط.
قد يكون الخيار المفضل لدى خامنئي أن يقطف رئيس جديد زهرة أي تسوية يمكن أن تتحقق بما يضيفه هذا الأمر من مشروعية على الحكومة المنتخبة. هذا من شأنه أن يخفض قليلا من مطالب الجماهير التي سيقدم لها الاتفاق ظروفاً أفضل في ظل رفع العقوبات وفتح الأسواق والتحول تدريجيا من دولة ترزح تحت صخرة الضغوطات إلى دولة تستعيد عافيتها وفيها فرص للعمل والنجاح. مع ذلك، يدرك القائد الأعلى جيدا أن أي اتفاق بين بلاده وأميركا يحمل أسباب فشل كثيرة وامكانيات نجاحه على المدى البعيد صعبة جدا، هذا يعود بالدرجة الأولى للفجوة الضخمة بين ما تريده طهران في الشرق الأوسط وبين ما تريده واشنطن بالمقابل. هذا وحده كفيل بجعل خامنئي مترددا تجاه القبول بمجرد اتفاق، لأن الثمن في كل الحالات سيكون كبيرا بحيث سيعني هذا كما في المرة السابقة بعد اتفاق ٢٠١٥، انكشاف شبكات إيران حول العالم للتهرب من العقوبات وهو ما سيعني أنها أمام أي استحقاق ضغط جديد سيكون عليها إعادة البناء والوصل وهذا ما يبدو في كل مرة جديدة أصعب من المرة التي سبقتها. (*) بالتزامن مع “جاده إيران“