الوقت- منذ الثمانينيات، بذلت الصين جهودًا مكثفةً لتوسيع العلاقات الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية مع العالم، لتصبح أحد أقطاب القوة في العالم. وأهم مشروع صيني في هذا المجال، والذي يوفر منصةً للتعاون الاستراتيجي مع مختلف البلدان، هو مشروع “حزام واحد – طريق واحد”.
هذا المشروع، المعروف باسم طريق الحرير الجديد، هو مزيج من سياسات أواخر التسعينيات تحت عنوان أخرج نحو الخارج(go out policy) وطريق الحرير القديم.
تكمن أهمية مبادرة الحزام والطريق في شراكات الصين الاستراتيجية، في تشجيع الدول المختلفة على الدخول في اتفاقيات استراتيجية مع الصين، نظرًا لجاذبيتها في نقل البضائع والعبور والاستثمار الأجنبي.
الإمارات
تنظر بكين إلى الدول الخليجية في تطوير التعاون الاستراتيجي، لما لها من تسهيلات في التجارة البحرية وإمدادات الطاقة. ومن بين هذه الدول الإمارات العربية المتحدة.
اعتباراً من عام 2019، تم التوقيع على خطة الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وبكين. وقبل توقيع الاتفاقية، کانت العلاقات التجارية بين بكين وأبو ظبي قد نمت بشكل ملحوظ.
نظرًا للموقع الجغرافي لدولة الإمارات العربية المتحدة وعلاقاتها التجارية المتعددة الأطراف مع المراكز الاقتصادية الرئيسية مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن موقعها الجغرافي الملائم للتجارة مع الصين، كانت دائمًا خيارًا جذابًا للتجارة مع بكين.
وبمرور الوقت، أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 60 مليار دولار في عام 2017، ويتوقع البلدان أن يصل إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2020.
في عام 2019، وقع محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته لبكين، مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون مشترك في مختلف المجالات، تهدف إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
تشمل بعض الأبعاد العامة لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، التجارة والاقتصاد والنقل في الخليج الفارسي. كما اتفق البلدان على التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والطيران والقطارات فائقة السرعة والتكنولوجيا.
کما وقع سوق أبوظبي العالمي مذكرة تفاهم مع بورصة شنغهاي قبل عام من اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، لإنشاء السوق المالي لمشروع حزام واحد – طريق واحد، لدعم المشاريع المتعلقة بهذا المشروع من خلال زيادة رأس المال.
رغم كل هذا، تحاول الإمارات استغلال ممرات هذا المشروع لتطوير موانئها. ومع ذلك، فإن بعض الخلافات والتنافسات بين البلدين، مثل الخلاف حول ميناء جيبوتي الاستراتيجي، قد طغت على التعاون الكامل بين البلدين.
تركيا
تعتبر تركيا من الدول التي تستهدفها الصين لتطوير العلاقات الاستراتيجية، بسبب موقعها الاستراتيجي وفرص الاستثمار المناسبة. تسعى الصين إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع ترکيا، في المنافسة مع الولايات المتحدة وأوروبا وبسبب عضوية تركيا في الناتو.
من ناحية أخرى، فإن تطوير العلاقات مع تركيا يعزز موقف الصين على الحدود الأوروبية. وتم اتخاذ الخطوات الأولى للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي، في عام 2010 بزيارة رئيس الوزراء الصيني “ون جيا باو” إلى تركيا.
وعقب توقيع الاتفاق بين الجانبين في هذه المرحلة، أعلنت تركيا أن العلاقات الثنائية بين البلدين وصلت إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية.
وفي أكتوبر 2010 أيضًا، أجرت تركيا والصين تدريبات عسكرية مشتركة في مقاطعة “قونية”. وفي عام 2018، دعت الصين وروسيا تركيا أيضًا للمشاركة في مناورات فوستوك الکبيرة في سيبيريا.
قبل الاتفاقية الاستراتيجية، كان حجم التجارة بين البلدين 19 مليار دولار. وعقب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، تم توقيع ثماني اتفاقيات في مجالات النقل والطاقة والبنوك والتمويل والثقافة والتجارة.
کما وقعت الشركات الصينية اتفاقيةً لبناء نظام سكة حديد عالي السرعة بقيمة 20 مليار دولار، وتم التوصل إلى اتفاقيات لتجارة العملات الوطنية للبلدين. وبموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، قررت تركيا والصين زيادة التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2020.
اقترحت تركيا مبادرة الممر الأوسط(Middle Corridor) من خلال ثلاثة مسارات مختلفة من حزام وطريق يمر حول تركيا، والهدف هو ربط الممر الشرقي بالغربي والممر الشمالي بالجنوبي، وتوسيع الأسواق والمساهمة في تطوير التعاون الإقليمي في أوراسيا.
وعلى الرغم من أن الممر الأوسط يقوم على المنظور التركي لمبادرة طريق الحرير، تبحث تركيا عن خط سكة حديد يبدأ من تركيا ويصل إلى آسيا الوسطى ثم يمر عبر جورجيا وأذربيجان.
ولتنفيذ هذه الفكرة، تسعى تركيا إلى استكمال خط سكة حديد باكو – تبليسي – قارص وتحديث أنظمة السكك الحديدية الخاصة بها، والتي تم تحديد بعضها في الاتفاقية الإستراتيجية الشاملة مع الصين.
ومع ذلك، هناك العديد من التحديات السياسية والاقتصادية التي تلقي بظلالها على الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين تركيا والصين، ومن هذه التحديات قضية مسلمي الإيغور في الصين. ونظرًا للأصول العرقية والإثنية لهؤلاء المسلمين، يضغط الرأي العام التركي على الحكومة التركية لاتخاذ موقف حازم ضد الصين.
والموضوع الآخر المهم للغاية في السياسة الاقتصادية التركية هو العجز التجاري المتزايد لتركيا في العلاقات التجارية مع الصين، ما جعل تركيا تشك في آفاق العلاقات التجارية مع الصين.
في الواقع، تعد الصين ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا، في حين أن تركيا هي الشريك التجاري الخامس والثلاثون للصين، وبلغ العجز التجاري لتركيا مع الصين في عام 2012 ما قيمته 18.5 مليار دولار. وبعد زيادة التجارة لم يتحسن هذا العجز.
في عام 2016، والذي كان ذروة توسع العلاقات التجارية بين البلدين، ارتفع العجز التجاري التركي مع الصين إلى 23 مليار دولار، وقد أدى ذلك إلى خفض حجم العلاقات التجارية بين البلدين بعد عام 2016، من 25 مليار دولار في عام 2016 إلى 18 مليار دولار في عام 2019.
وفي بداية عام 2021، عقدت تركيا مؤتمرا لمدة خمسة أيام لتحسين العلاقات التجارية مع بكين. حضر أكثر من 100 رجل أعمال تركي المؤتمر للاستحواذ على حصة كبيرة من سوق الحليب المجفف والجبن والخضروات المجففة في الصين، وتمثلت الخطوة الأخرى من جانب تركيا لتحسين الميزان التجاري، في التفاوض على زيادة عدد السياح الصينيين الذين يدخلون تركيا.
آسيا
تعدّ منطقة جنوب شرق آسيا واحدة من أكثر المناطق الاقتصادية جاذبيةً، والتي لفتت انتباه العديد من الدول في السنوات الأخيرة.
وقد قطعت الولايات المتحدة واليابان والصين وكوريا الجنوبية وأوروبا خطوات كبيرة في تطوير التعاون الاقتصادي والسياسي مع جنوب شرق آسيا في السنوات الأخيرة، ما خلق بطريقة ما المنافسة بين أقطاب القوة في هذه المنطقة.
وصلت العلاقات بين آسيا والصين إلى مستوى جديد بتوقيع الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية من أجل السلام والازدهار في عام 2003، ما مهد الطريق لمزيد من التفاعل المكثف والأساسي بين آسيا والصين.
وهکذا، فقد تعمقت وتوسعت الاتفاقيات المتعلقة بالزراعة والأمن والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات. وفي البداية، تم الاتفاق على حوالي 40 مشروعًا بين الصين والاسيان.
العلاقات الاقتصادية للصين مع آسيا نمت بنحو 5 في المئة سنوياً. وفي يناير 2021، اقترحت الصين شراكةً استراتيجيةً شاملةً مع الآسيان.
وعلى الرغم من أن علاقات الصين المتعددة الأطراف مع جنوب شرق آسيا آخذة في التوسع، إلا أن دول جنوب شرق آسيا أعربت عن شكوكها، من ناحية، تجاه بعض الخلافات في بحر الصين الجنوبي والغموض في تحديد الالتزامات بعد إضافة كلمة “الشاملة” للشراكة الاستراتيجية.
ومن ناحية أخرى، نظرًا لقربها الجغرافي من الصين وإمكانات بكين العالية للاستثمار الأجنبي في الآسيان، لم تظهر هذه الدول عدم الاهتمام بشراكة شاملة مع الصين.
لقد لعبت الدول الأعضاء الخمسة عشر في الآسيان دورًا محوريًا للصين في الشراكة الإقليمية الشاملة، ونجحت بكين أخيرًا بعد ثماني سنوات من المفاوضات في نوفمبر 2020 مع 15 دولة من دول الآسيان وخمس دول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا) للتوقيع على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة(RCEP) في هانوي بفيتنام.
وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم تخفيض التجارة في المنتجات الصناعية والزراعية بين الأعضاء، ثم حذفها في الفترتين القصيرة(سنتين) والطويلة(عشرين عامًا).